208

Tafsir

تفسير الأعقم

Genres

[الأحزاب: 67]، عن السدي: الأولون الذين اقتدوا بآبائهم { فما لنا من شافعين } كما نرى المؤمنين لهم شفعاء من الملائكة والنبيين { ولا صديق حميم } من الذين كنا نعدهم شفعاء وأصدقاء لأنهم كانوا يعتقدون في أصنامهم أنهم شفعاؤهم عند الله وكان لهم الأصدقاء من شياطين الانس، وقيل: قريب يحفظ حق القرابة، وقيل: الحميم الذي يحمي عليه وهو الذي يهمه ما يهمك { فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين } أي عودة إلى الدنيا { إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم } { كذبت قوم نوح المرسلين } يعني كذبوا إلى توحيد الله { إذ قال لهم أخوهم نوح } يعني أخاهم في النسب لا في الدين { ألا تتقون } عذاب الله، قوله تعالى: { فاتقوا الله وأطيعون } { وما أسألكم عليه من أجر } من أموالكم { إن أجري إلا على رب العالمين } { قالوا أنؤمن لك } استفهام، والمراد إنكار، أي لا نؤمن لك { واتبعك الأرذلون } ، قيل: كانوا أصحاب الخرق كالحاكة ونحوها من الحجامة والصناعة وهكذا كانت يقولون في أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: نسبوهم إلى النفاق والمعاصي وبما لا يجوز في الدين، وقيل: السفلة، قال أبو مسلم: جواب نوح (عليه السلام) دل على أنهم نسبوا من يتبعه إلى ما لا يجوز { قال وما علمي بما كانوا يعملون } وأي شيء علمي، والمراد انتفاء علمه بإخلاص أعمالهم، وقيل: ليس على حسابهم وإنما حسابهم على الله { لو تشعرون } تعلمون { وما أنا بطارد المؤمنين } أي لا أبعدهم من مجلسي { إن أنا إلا نذير مبين } مخوف مبين للحق والأحكام { قالوا لئن لم تنته يا نوح } من دعائك { لتكونن من المرجومين } بالحجارة، وقيل: بالشتم، وقيل: من المقتولين عن ابن عباس { قال رب إن قومي كذبون } { فافتح بيني وبينهم فتحا } أي احكم بيني وبينهم حكما، فأنزل الله العذاب عليهم في الدنيا { ونجني ومن معي من المؤمنين }.

[26.119-145]

{ فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون } ، والمشحون: المملوء يقال: شحنها عليهم خيلا ورجلا { ثم أغرقنا بعد الباقين } الذين كانوا خارج السفينة، ثم بين تعالى قصة هود بعد أولئك المتقدمين فقال سبحانه: { كذبت عاد المرسلين } { إذ قال لهم أخوهم } في النسب لا في الدين { هود ألا تتقون } الله فلا تعصونه { إني لكم رسول أمين } على الرسالة، فكيف تتهموني وقد بلغت ما حملت إليكم { فاتقوا الله وأطيعون } { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين } { أتبنون بكل ريع آية } مكان مرتفع وبكل طريق، والآية: العلم { تعبثون } وكانوا ممن يهتدون في النجوم في أسفارهم فاتخذوا في طرقهم أعلاما فيعبثوا بذلك لأنهم كانوا يستغنون عنها بالنجوم، وعن مجاهد: بنوا بكل ريع بروج الحمام والمصانع، القصور المشيدة والحصون { لعلكم تخلدون } أي كأنكم تبنون أبدا تخلدون، قوله تعالى: { وإذا بطشتم بطشتم جبارين } أي أخذتم فصيرتم بغير حق، وقيل: قتلا بالسيف ظلما وعلوا { فاتقوا الله وأطيعون } فيما أمرتكم به { واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون } { أمدكم بأنعام وبنين } ومن عليكم نعمة بعد نعمة { وجنات } بساتين فيها أشجار { وعيون } تتابع أي وهو الذي يجري على الأرض تراه العيون { إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم } { قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين } وهذا كلام جاهل جواب لكل ناصح مشفق { إن هذا إلا خلق الأولين } قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بفتح الخاء وإسكان اللام، يعني كذب الأولين، أي ما يقوله كذب من كذب الأولين، وإذا قرئ بالضم وهي قراءة نافع فمعناه عادة الأولين { وما نحن بمعذبين } بعد الموت، وقيل: في الدنيا، وقيل: في الدنيا والآخرة { فكذبوه فأهلكناهم } بالرياح الذي أرسلناه عليهم { إن في ذلك } في شأن هود وقومه { لآية } لعبرة وعظة لمن يتدبر فيه { وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم } ، ثم ذكر قصة ثمود ورسولها صالح (عليه السلام) فقال سبحانه: { كذبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون } عذاب الله { إني لكم رسول أمين } على الرسالة، قوله تعالى: { فاتقوا الله وأطيعون } ولا تعصوه وأطيعون فيما أؤدي إليكم { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين }.

[26.146-167]

{ أتتركون في ما ها هنا آمنين } يعني أتظنون أنكم تتركون في أمنة من الموت والعذاب وزوال النعمة { في جنات وعيون } { وزروع ونخل طلعها هضيم } ، والهضم: اللطيف الظاهر، وقيل: رطب لين، وقيل: ترى كم يركب بعضه بعضا حتى هضم بعضه بعضا أي كسره { وتنحتون من الجبال بيوتا } ، قيل: نحتوا من الجبال صخرا وبيوتا بنوا بها قريبا، وقيل: نحتوا من الجبال الدور والبيوت { فارهين } قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بغير ألف ومعناه اشرين بطرين، وقيل: معجبين، وقرأ حمزة وعاصم فارهين بالألف، والفاره: الحاذق، وقيل: هما بمعنى يقال فاره وفره { فاتقوا الله } ولا تعصوه { وأطيعون } فيما أبلغكم من ربكم { ولا تطيعوا أمر المسرفين } { الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون } { قالوا إنما أنت من المسحرين } المسحورين المخدوعين { ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية } بحجة { إن كنت من الصادقين } فيما تدعي { قال } صالح { هذه } وقد كانوا سألوه أن يخرج لهم من الجبل ناقة عشراء، فأخرجها الله تعالى حامل كما سألوا، ووضعت فصيلا في الحال، وكان عظيم الخلق { لها شرب ولكم شرب يوم معلوم } لها نصيب ولكم نصيب، قيل: قسم الماء كان لها يوما ولهم يوم وكانت لا تقرب الماء يومهم { ولا تمسوها بسوء } ، قيل: لا تعقر ولا تمنع من الماء والمرعى { فيأخذكم عذاب يوم عظيم } { فعقروها فأصبحوا نادمين } { فأخذهم العذاب } على عقرها، لما رأوا العذاب ندموا ولم يتوبوا، وطلبوا صالحا ليقتلوه، فنجاه الله ومن معه من المؤمنين، ثم أخذتهم صيحة فأهلكتهم، وقيل: تابوا حين رأوا العذاب فلم ينفعهم { إن في ذلك لآية } في التوحيد ومعجزة لذلك النبي، وعبرة لمن تفكر { وما كان أكثرهم مؤمنين } { وإن ربك لهو العزيز } القادر { الرحيم } وروي أن العاقر ألجأها إلى مضيق في شعب فرماها بسهم فأصاب رجلها فسقطت ثم ضربها قذارا، وروي أيضا أن عاقرها قال: لا أعقرها حتى ترضوا أجمعين، فكانوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقولون أترضي؟ فتقول: نعم، وقد تقدم الكلام، ثم بين تعالى قصة لوط فقال سبحانه: { كذبت قوم لوط المرسلين } بتكذيب لوط، وقيل: كذبوا جميع من مضى من الرسل { إذ قال لهم أخوهم لوط } في النسب لا في الدين لأن الناس كلهم بنو آدم { ألا تتقون } الله { إني لكم رسول أمين } على الرسالة { فاتقوا الله } على معاصيه { وأطيعون } فيما أدعوكم إليه { وما أسألكم عليه من أجر } على أداء الرسالة من أجر { إن أجري إلا على رب العالمين } وهو الثواب في الجنة { أتأتون الذكران من العالمين } هو كناية عن الفاحشة وهو إتيان الرجال في دبرهم، وروي أنهم كانوا يأتون النساء في أدبارهن، وروي أنهم كانوا يأتون الغرباء لا بعضهم { وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم } يعني الفروج { بل أنتم قوم عادون } ظالمون { قالوا لئن لم تنته يا لوط } عما تقول { لتكونن من المخرجين } من الدنيا، وقيل: نخرجكم قتلا.

[26.168-189]

{ قال } لوط لقومه: { إني لعملكم من القالين } يعني اللواط، والقالي: المبغض، ثم دعا الله تعالى فقال: { رب نجني } أي خلصني من عاقبة ما يقولون وهو العذاب الذي نزل بهم { وأهلي } ، قيل: أمتي المؤمنون، وقيل: بناته { مما يعملون } من التكذيب والعصيان، وقيل: من آذاهم { فنجيناه وأهله أجمعين } أي خلصنا لوطا، وأهله من آمن به { إلا عجوزا } وهي امرأته كانت كافرة تدل الكفار والفساق على أضيافه { في الغابرين } الباقين فيمن هلك، وقيل: بل هلكت فيما بعد مع من خرج من القرية { ثم دمرنا الآخرين } أي أهلكناهم { وأمطرنا عليهم مطرا } وهو الحجارة { فساء مطر المنذرين } أي الكافرين، وذلك أنهم أهلكوا بالانقلاب والخسف، ثم أمطرنا على من كان غائبا منهم، وقيل: أمطرت عليهم الحجارة والهلاك { إن في ذلك لآية } حجة في التوحيد { وما كان أكثرهم مؤمنين } { وإن ربك لهو العزيز } القادر على هلاكهم { الرحيم } بالمؤمنين منهم، ثم بين تعالى قصة شعيب فقال سبحانه : { كذب أصحاب الأيكة المرسلين } ، قيل: أصحاب أيكة أهل مدين، وقيل: هم غيرهم، وعن قتادة: إن الله تعالى أرسل شعيبا إلى أهل مدين وإلى أهل البادية وهم أصحاب الأيكة، وروي أن أصحاب الأيكة كانوا أصحاب شجر ملتف وفي شجرهم الدوم، قال جار الله: فإن قلت: هلا قيل أخاهم شعيب كما في سائر المواضع؟ قلت: قالوا أن شعيبا لم يكن منهم، وفي الحديث:

" إن شعيبا أخا مدين أرسل إليهم وإلى أصحاب الأيكة "

وهي قراءة أبي عمرو وعاصم { إذ قال لهم شعيب ألا تتقون } الله { إني لكم رسول أمين } { فاتقوا الله وأطيعون } ، قوله تعالى: { أوفوا الكيل } إذا كلتم، تاما غير ناقص، وكانوا يطففون فنهاهم عن ذلك { ولا تكونوا من المخسرين } من الناقصين الكيل { وزنوا بالقسطاس المستقيم } ، قيل: هو العدل، وقيل: الميزان { ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين } أي لا تفسدوا في الأرض { واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين } الذين كانوا من قبلكم { قالوا إنما أنت من المسحرين } يعني المسحورين المخدوعين، أي سحروك، أي خدعوك، وقيل: من المخلوقين { وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين } فيما تقول وتدعو { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } { فأسقط علينا كسفا من السماء } أي قطعة { إن كنت من الصادقين } { قال } شعيب { ربي أعلم بما تعملون } فيجازيكم بعملكم، فهو وعيد لهم { فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة } وروي أنه حبس عنهم سبعا وسلط عليهم الحر فأخذ بأنفاسهم لا ينفعهم ظل ولا شراب، فاضطروا إلى أن خرجوا إلى البرية فأضلتهم سحابة وجدوا لها بردا وسيما واختفوا تحتها فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا، وروي أن شعيبا بعث إلى أمير مدين وأصحاب الأيكة فأهلكت مدين بصيحة جبريل وأصحاب الأيكة بعذاب يوم الظلة { إنه كان عذاب يوم عظيم }.

[26.190-209]

Page inconnue