176

Tafsir

تفسير الأعقم

Genres

[20.45-59]

{ قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا } أي يسرف ويجاوز الحد، وقيل: بالقتل والعقوبة { قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى } بينكما وبينه من قول وفعل، وكأنه قيل: أنا حافظ لكما وناصر سامع مبصر { فأتياه فقولا إنا رسولا ربك } ندعوك اليه { فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم } بذبح الأبناء، والإستعباد للرجال واستحياء النساء { قد جئناك بآية من ربك } اليد والعصا { والسلام على من اتبع الهدى } يريد سلام الملائكة الذين هم خزنة الجنة على المهتدين { إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى } أي أن العذاب على من كذب الرسل وتولى أعرض عن الحق { قال فمن ربكما يا موسى قال } موسى { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه } يعني أعطى كل شيء صلاحه وهداه لما يصلحه، وقيل: اليد للبطش، والرجل للمشي، واللسان للنطق، والعين للبصر، وكذلك الأنف واليد والرجل، والأزواج: البعير للناقة والرجل للمرأة، فلم يزاوج منها شيء غير جنسه، قوله تعالى: { قال } فرعون { فما بال القرون الأولى } يعني فما حال الأمم الماضية في العقاب والثواب؟ وقيل: فيما دعوت الله، وقيل: في إعادة القرون ومتى يكون؟ { قال } موسى { علمها عند ربي في كتاب } محفوظ، عند الله في اللوح المحفوظ، وقيل: أراد بالكتاب ما تكتبه الملائكة { لا يضل ربي ولا ينسى } يعني لا يضل لا يذهب عليه شيء، ولا ينسى من النسيان. وقيل: هما واحد، عن ابن عباس: لا يترك من كفر به حتى ينتقم منه ولا يترك من وحده حتى يجازيه { الذي جعل لكم الأرض مهادا } يتصل بما قبله من دلائل التوحيد، يعني جعل الأرض للعباد فراشا، وكذلك جعل { لكم فيها سبلا } طرقا للذهاب والمحجة في أكنافها { وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا } أصنافا سميت بذلك لأنها مزدوجة مقترنة بعضها مع بعض، وهذا:

هو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء

[الأنعام: 99]

ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها

[فاطر: 27] { من نبات شتى } يعني مختلف الألوان والطعوم والمنافع، منها ما يصلح للناس ومنها ما يصلح للدواب، ثم بين تعالى أن هذا لمنافع العباد، فقال سبحانه: { كلوا وارعوا أنعامكم } يعني تأكلوا بعضها وتعلفوا بعضها { إن في ذلك لآيات لأولي النهى } ، قيل: الذين ينتهون عما حرم الله، وقيل: لذوي الورع، وقيل: لذوي العقول { منها خلقناكم } أي من الأرص خلق أصلهم وهو آدم (عليه السلام)، وروي في الكشاف والحاكم أن الملك يأخذ من تراب المكان الذي يدفن فيه فيذره على النطفة فيخلق من التراب والنطفة فذلك قوله تعالى: { منها خلقناكم وفيها نعيدكم } في الأرض عند الموت { ومنها نخرجكم تارة أخرى } عند البعث { ولقد أريناه آياتنا كلها } ، قال جار الله: الإشارة إلى الآيات المعلومة التي هي التسع المختصة بموسى (عليه السلام): العصا واليد، وفلق البحر، والحجر، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، ونتق الجبل، فكذب بها جميعا وأبى أن يقبل الحق، ثم نسب ما جاء به موسى إلى السحر تلبيسا على قومه فقال: { أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى } { فلنأتينك بسحر مثله } أي بمثل ما أتيت { فاجعل بيننا وبينك موعدا } للوقت الذي تلقي فيه { لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى } مستويا بين الناس، وقيل: وسطا بين الفريقين { قال } موسى { موعدكم يوم الزينة } ، قيل: كان يوم عيد يتزينون، وقيل: يوم عاشوراء عن ابن عباس { وأن يحشر الناس ضحى } وقت الضحى يجتمع الناس نهارا جهارا فترون ما يجري بيننا فيكون أبلغ في الحجة.

[20.60-69]

{ فتولى فرعون } أي انصرف وفارق موسى على الموعد { فجمع كيده } سحره وحيله { ثم أتى } الميعاد، ثم بين تعالى بعد اجتماعهم للموعد فقال سبحانه: { قال لهم موسى } للسحرة { ويلكم } كلمة وعيد وتهديد، وعن وهب لما قال: { ويلكم } الآية، قالوا: ما هذا بقول ساحر { فيسحتكم } ، قيل: يستأصلكم بعذاب، وقيل: يهلككم { فتنازعوا أمرهم بينهم } ، قيل: تشاورت السحرة { وأسروا النجوى } أي أخفوا كلامهم عمن أخفوه، قيل: من فرعون وقومه، أي تناجوا فيما بينهم وأخفوا عنه ما علموا من أمر موسى، وقيل: أخفوا عن موسى وهارون أن ما جرى مع فرعون في إبطال أمرهما، وقيل: أخفوا عن عوام الناس ليوهموا عليهم، واختلفوا في الذي أسروا قيل: قالوا: إن كان ساحرا شغلته، وإن كان أمرا سماويا فله أمره، وقيل: أسروا عن موسى وهارون { إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى } ، قيل: أولو الفضل والشرف والأنساب، وقيل: يذهبا بطريقتكم التي أنتم عليها في السيرة والدين { فأجمعوا كيدكم } ، قيل: هو قول فرعون للسحرة، وقيل: هو من قول السحرة بعضهم لبعض { ثم ائتوا صفا } ، قيل: جمعا، وقيل: صفوفا ولا يختلف عنا منكم أحد، لأنه في صدور الراس، وروي أنهم كانوا سبعين ألفا مع كل واحد منهم حبل وعصا وقد أقبلوا إقبالة واحدة { وقد أفلح اليوم من استعلى } من غلب، ثم بين تعالى ما جرى بينهم فقال سبحانه: { قالوا } يعني السحرة { يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى } وإنما قالوا ذلك إيهاما أن الغلبة لهم، وقيل: كان بلغهم أن العصا تتقلب مرة حية ومرة عصا { قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى } تمشي، ويقال : كيف صنعوا حتى خيل أنها تسعى؟ قالوا: كانوا نقروا العصا وجعلوا فيها الزئبق، وكذلك جعلوا الزئبق في الحبال، فلما اصابها حر الشمس اهتزت وتحركت، وقيل: حفروا أسرابا ثم أوقدوا فيها النار، ثم ألقوا عليها الحبال والعصي، فلما أصابها حر النار تحركت، وكانوا سبعين ألفا ومع كل واحد منهم حبل وعصا { فأوجس في نفسه خيفة موسى } ، قيل: خاف التلبيس على العوام، وقيل: الخوف إضمار شيء منه { قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى } الغالب القاهر { وألق ما في يمينك } أي العصا { تلقف } أي تبتلع { ما صنعوا } من الحبال والعصي، قال: لما ألقى عصاه صارت حية وطافت حول الصفوف حتى رآها الناس كلهم ثم قصدت نحو الحبال والعصي فابتلعتها كلها مع كثرتها، ثم أخذها موسى فعادت عصا، فلما رأت السحرة ذلك علموا أنه ليس بسحر وأنها معجزة آمنوا.

[20.70-82]

{ فألقي السحرة سجدا } يعني سجدوا لله تعالى، و { قالوا آمنا برب } العالمين رب { هارون وموسى } فقال فرعون للسحرة { آمنتم له قبل أن آذن لكم } في الإيمان { إنه } يعني موسى { لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف } يعني اليد اليمنى والرجل اليسرى { ولأصلبنكم في جذوع النخل } ، قيل: على جذوع النخل { ولتعلمن أينا اشد عذابا } على كفركم بي وأبقى يعني أنا أم رب موسى، فلما سمع القوم المستبصرون وعيده لهم آثروا طاعة والدار الآخرة ونعيمها، و { قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا } يعني خلقنا { فاقض ما أنت قاض } اصنع ما أنت صانع وتقديره اصنع ما شئت فلسنا نرجع عن دين الله { إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } يعني إنما تملك الحكم والأمر في الدنيا دون الدار الآخرة { إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر } أي ما أمرتنا به من عمل السحر، لما علموا وعيد الله هان عليهم وعيد فرعون { والله خير وأبقى } ، قيل: خير ثوابا للمؤمنين، وأبقى للعاصين منك لأنك فان هالك، وقيل: قالوا لفرعون: أرنا موسى إذا نام فأراهم فإذا هو نائم وعصاه تحرسه، فقالوا: ليس هذا سحر، إن الساحر إذا نام بطل سحره، فأبى عليهم إلا يعملوا فذلك اكراههم وروي أن رؤساء السحرة كانوا اثنين وسبعين ساحرا، الاثنان من القبط والباقي من بني اسرائيل، وكان فرعون أكرههم على السحر { إنه من يأت ربه مجرما } ، قيل: إنه خبر من الله اعتراض بين القصتين على غير وجه الحكاية، وقيل: هو حكاية عن السحرة، من يأت إلى الموضع الذي وعد ربه مجرما مشركا أي عاصيا { فإن له جهنم لا يموت فيها } فيستريح { ولا يحيى } حياة هنيئة { ومن يأته مؤمنا } أي مات على الإيمان وأتى الآخرة { قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى } الرفيعة، ثم فسر الدرجات فقال سبحانه: { جنات عدن } امامه يعني دائمة { تجري من تحتها الأنهار } تحت أشجارها وأبنيتها { وذلك جزاء من تزكى } تطهر من أدناس الذنوب، وعن ابن عباس قال: لا إله إلا الله، ثم بين تعالى إصرارهم على الكفر وإهلاك قوم فرعون فقال سبحانه: { ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي } أي أسر بهم ليلا من أرض مصر { فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا } أي اجعل لهم طريقا في البحر لا ماء فيه { لا تخاف دركا } أي يدركك فرعون { ولا تخشى } شيئا من أمر البحر، قيل: لا تخاف كون فرعون خلفك ولا كون البحر أمامك { فأتبعهم فرعون } أي مضى خلفهم ولحقهم { بجنوده } وخيله وإنما أدخله فرسه، وقيل: تقدمهم جبريل { فغشيهم من اليم ما غشيهم } أي أصابهم في البحر ما أصابهم وغمرهم الماء { وأضل فرعون قومه وما هدى } ، قيل: أهلكهم في البحر وما نجاهم من الغرق وقيل: أضلهم عن الدين وما هداهم إلى خير، ثم عاد الكلام إلى خطاب بني إسرائيل وذكر نعمته عليهم فقال سبحانه وتعالى: { يا بني إسرائيل } وهذا خطاب لهم بعد إنجائهم من البحر وإهلاك فرعون، وقيل: خطاب للذين كانوا في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) { قد أنجيناكم من عدوكم } أي من فرعون وأعوانه واستعادة النعمة على الأسلاف تكون نعمة الأخلاف، فلهذا ذكرهم بها على قول من يقول: إنه خطاب لمن كان على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) { وواعدناكم جانب الطور الأيمن } ، قيل: وعدنا موسى جانب الجبل الذي هو الطور فاختار موسى سبعين رجلا وذهب بهم إلى الموعد وأعطي التوراة { ونزلنا عليكم المن والسلوى } يعني في التيه وقد تقدم { كلوا من طيبات ما رزقناكم } ، قيل: الطيب الحلال { ولا تطغوا فيه } لا تجاوزوا الحد ولا تأكلوا الحلال { فيحل عليكم غضبي } أي يجب أو ينزل على اختلاف القرآن { ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى } أي هلك { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى } يعني لزم الإيمان إلى أن مات.

Page inconnue