بغير علم يعني لا يعلمون الحق وإنما يتبع التقليد والهوى { ألا ساء ما يزرون } أي بئس الحمل حملهم.
[16.26-35]
{ قد مكر الذين من قبلهم } يعني قبل قومك يا محمد { فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم } الآية نزلت في النمرود بن كنعان، وقيل: في بخت نصر، وقيل: هو عام وقوله تعالى: { فأتى الله بنيانهم من القواعد } قيل: الأساس، وهذا تمثيل، بمعنى انهم سووا منصوبات ليمكروا بها الله ورسوله، فجعل الله هلاكهم في تلك المنصوبات، فخر عليهم السقف وهلكوا ونحوه " من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا " وقيل: أن النمرود بن كنعان بنى الصرح بناء محكما، ورام الصعود إلى السماء، وكان طوله خمسة آلاف ذراع، فهبت الريح فخر عليهم فهلكوا { وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشآقون فيهم } تعادون وتخاصمون المؤمنين { قال الذين أوتوا العلم } هم الأنبياء والعلماء من أممهم الذين كانوا يدعونهم إلى الايمان ويعطونهم فلا يقبلون { ان الله عليم بما كنتم تعملون } ، وقيل: هو من كلام الله لهم فهو يجازيكم عليه، وهو أيضا من الشماتة، وكذلك قوله تعالى: { فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين } { وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا } الآية نزلت في أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم مخبرا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيدخل مكة فيرى أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيسألهم عنه فيخبرونه بصدقه أنه نبي مبعوث فنزلت الآية. واختلفوا في قوله: { ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا } ، قيل: القرآن والإسلام وسائر الأحكام، وقيل: هو قوله: { للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة } ، وقيل: هذا كلام المتقين إلى قوله: { طيبين } ، وقيل: إلى قوله: { قالوا خيرا } ثم ما بعده من كلام الله تعالى، والمعنى للذين أحسنوا في طاعة الله في هذه الدنيا حسنة ثواب وإحسان، قيل: هو ما يستحقه من التعظيم والمدح، وقيل: لما أحسنوا أحسن الله إليهم بالتوفيق والالطاف { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين } نزلت في صهيب وبلال وخباب وسلمان وعمار قيل: طيبين بأعمالهم، وقيل: مؤمنين، وقيل: زاكية طيبة أفعالهم وأموالهم { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة } الآية نزلت في أهل مكة تأتيهم الملائكة لقبض الأرواح، وأمر ربك العذاب المستأصل { كذلك فعل الذين من قبلهم } مثل ذلك الفعل الشرك والتكذيب فعل الذين من قبلهم { وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } إلا أنهم فعلوا ما استوجبوا به العذاب { فأصابهم سيئات ما عملوا } جزاء سيئات أعمالهم { وحاق بهم } أي نزل بهم من عقوبات الله الذي { كانوا به يستهزئون } { وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء } وذلك أنهم نسبوا أفعالهم إلى الله تعالى وقالوا: لو شاء لم نفعل، وهذا مذهب الجبرية بعينه { كذلك فعل الذين من قبلهم } أي أشركوا وحرموا حلال الله مثل ما حرموا السائبة والبحيرة وغيرهما { فهل على الرسل إلا البلاغ المبين } أي ليس عليهم إلا أداء الرسالة، وإظهار الدلالة، وبيان الشرائع، وهذا رد لقولهم: { لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء } فأقام الحجة على بطلان مذهبهم.
[16.36-44]
{ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله } أي وحدوه وأطيعوه { واجتنبوا الطاغوت } الشيطان، وقيل: ما عبد من دون الله، وقيل: شياطين الانس والجن { فمنهم } من تلك الأمم { من هدى الله } أي من اهتدى بهداي أوجبت له الجنة، وقيل: فمنهم من هدى الله إلى جنته وثوابه وهم المؤمنون، وقيل: من هدى الله أي لطف به لأنه عرف أنه من أهل اللطف { ومنهم من حقت عليه الضلالة } أي وجبت عليه وهو الهلاك كقوله: { ان المجرمين في ضلال وسعر } ، وقيل: منهم من استحق الضلالة بكفره وتكذيبه { فسيروا في الأرض } خطاب لهذه الأمة { فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } ممن تقدم فكذبوا الرسل فأهلكهم الله { إن تحرص على هداهم } يعني على الإسلام وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) حريصا على إيمانهم { فإن الله لا يهدي من يضل } قرأ بفتح الياء الكوفيون، قيل: من حكم بضلالته لا يحكم بهدايته أحد، وقيل: لا يطلف به، وقيل: لا يثيب ولا يهدي إلى الجنة وأما إذا قرئ بضم الياء وفتح الدال وهي أيضا قراءة نافع ومن تبعه، فقيل: من يهلكه الله لم ينجيه أحد، وقيل: من أضله من طريق الجنة لا يهديه أحد { وما لهم من ناصرين } يرفع العذاب عنهم { وأقسموا بالله } أي حلفوا به { جهد أيمانهم } أي مجتهدين { لا يبعث الله من يموت } أي لا يحييهم بعد الموت، ولا يقيمهم من قبورهم للجزاء والحساب { بلى } هو من كلام الله تعالى { وعدا عليه حقا } وعده وأوجبه { ولكن أكثر الناس لايعلمون } أنهم مبعوثون { ليبين لهم } لهؤلاء المشركين الذين أقسموا بالله { لا يبعث الله } ، وقيل: { ليبين لهم الذي يختلفون فيه } جميع الذي اختلفوا فيه من أمور دينهم، وليميز لهم الحق من الباطل { وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين } { إنما قولنا لشيء إذا أردناه } يعني إذا أردنا إيجاده { ان نقول له كن فيكون } لسرعته ووجوده كما شاء، فإذا أردنا أن نبعث من يموت فلا تعب علينا ولا نصب في إحيائه { والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة } الآية نزلت في المعذبين بمكة مثل صهيب وخباب وعمار وغيرهم لمكنهم الله بالمدينة، وروي أن صهيبا قال: لي مال كثير فخذوه ودعوني وديني، فقالوا: قبلنا، وقيل: نزلت في جميع أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ظلمهم أهل مكة فأخرجوهم من ديارهم فبوأهم الله بالمدينة بعد ذلك جعل لهم بها أنصارا لنبوئنهم في الدنيا حسنة أي ننزلهم في الدنيا منزلا كريما { ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون } { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي اليهم } الآية نزلت في مشركي مكة لما أنكروا نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالوا: الله أعظم من أن يبعث بشرا هلا بعث ملكا { فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون } ، قيل: أهل العلم بأخبار من مضى من الأمم، وقيل: هم مؤمنوا أهل الكتاب، وقيل: هم أهل القرآن { بالبينات } أي بالمعجزات { والزبر } أي الكتب يعني أعطيناهم الكتب، وقيل: أراد بالبينات حجج العقول { وأنزلنا اليك الذكر } أي القرآن والأحكام { لتبين للناس ما نزل اليهم ولعلهم يتفكرون }.
[16.45-55]
قوله تعالى: { أفأمن الذين مكروا السيئات } وهم أهل مكة كفروا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: هم الذين دبروا التدابير السيئة في أمور الدين وإطفاء نوره { أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون } أي لا يعلمون كيف جاءهم وكيف أخذهم { أو يأخذهم في تقلبهم } ، قيل: في تصرفهم في التجارات والأسفار ليلا ونهارا { فما هم بمعجزين } أي لا يسبقون الله فيعجزونه من عذابهم { أو يأخذهم على تخوف } من أن ينزل بهم ما نزل بغيرهم، وهو من الخوف بأن يهلك قرية ولا يهلك الأخرى، فخاف هؤلاء أن يصيبهم ما أصاب أولئك { أولم يروا إلى ما خلق الله } أولم يرى هؤلاء الماكرون إلى قدرة الله تعالى إلى ما خلق الله { من شيء } أي أجسام قائمة ذات ظلال { يتفيؤا ظلاله } يتحول من موضع إلى موضع بدوران الشمس { عن اليمين والشمائل } يعني في أول النهار وآخره { سجدا لله } أي خاضعا له بما فيها من الدلالة إلى حاجته إلى صانع ومدبر، قال أما ظلك فيسجد لله وأما أنت فلا تسجد لله، بئس والله ما صنعت { وهم داخرون } صاغرون، والاجرام في أنفسها صاغرة منقادة لأفعال الله فيها لا تمتنع عليها { ولله يسجد } يخضع حتى يصير كيف شاء لا يمتنع على تصرفه شيء { ما في السماوات وما في الأرض من دابة } كل حيوان يدب، فخضوع المؤمن اعترافه بالله وعبادته، وخضوع الكافر اعتقاده في الجملة إذ له مقدر، وخضوع ما لا يعقل هو ما يدل عليه على خلقه وآثار صنعته وأنه يصرفه كيف شاء { والملائكة } أي يسجدوا الملائكة طوعا، وأفردهم بالذكر تشريفا، والمراد بسجود المكلفين طاعتهم وعبادتهم، وسجود غيرهم انقيادهم لإرادة الله وإنها غير ممتنعة، وكلا السجود يجمعها معنى الانقياد { يخافون ربهم } يعني يخافون عذاب الله تعالى { من فوقهم } بالقهر والقدرة والعلو { ويفعلون ما يؤمرون } صفة للملائكة { وقال الله تعالى لا تتخذوا إلهين اثنين } ، قيل: لا تصفوا الله لا تجعلوا العباد لاثنين، وقيل: لا تقولوا للعالم صانعان إلهان { إنما هو اله واحد } هو الخالق والمنعم { فإياي فارهبون } أي خافوا عذابي { وله ما في السماوات والأرض } خلقا وملكا { وله الدين واصبا } ، قيل: الطاعة دائما، وقيل: له الجزاء الشديد، وقيل: له الدين واجبا { أفغير الله تتقون } { وما بكم من نعمة فمن الله } في الدين والدنيا فمن الله { ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون } يعني فما تضرعون إلا إليه، والجؤار رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة { ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم } بما أعطيناهم من القرآن، وقيل: ليجحدون نعمة الله فيما أعطاهم { فتمتعوا } في دنياهم بما شاؤوا من غير تفكر في العاقبة { فسوف تعلمون } بما نزل بهم من عذاب الله.
[16.56-62]
{ ويجعلون لما لا يعلمون } يعني هؤلاء المشركين، قيل: بصرف الكناية إلى المشركين لا يعلمون، وقيل: تعود إلى الأصنام، ومعنى لا علم لها أنهم سموها آلهة، ويعتقدون فيها أنها تضر وتنفع وتشفع عند الله، وهي جماد لا تضر ولا تنفع، وقيل: الضمير في لا يعلمون للآلهة أي لأشياء غير موصوفة بالعلم ولا يشعروه اجعلوا لها { نصيبا } في أنعامهم وزروعهم أم لا، وكانوا يجعلون ذلك لهم تقربا إليهم { تالله لتسألن عما كنتم تفترون } وعيد لهم، يعني تفترون من الإفك في زعمكم أنها آلهة، قوله تعالى: { ويجعلون لله البنات } كانت خزاعة وكنانة يقولون الملائكة بنات الله { سبحانه } تنزيها لذاته { ولهم ما يشتهون } يعني النبيين { وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم } مملو حنقا على المرأة { يتوارى من القوم من سوء ما بشر به } يستخفي منهم من أجل سوء المبشر به، ومن أجل تعييرهم، وينظر الممسك ما بشر به { أيمسكه على هون } على هوان وذل { أم يدسه في التراب } ويخفيه، والذي فعل ذلك مضر، وكنانة، وخزاعة، وتميما، كانوا يدفنون البنات خوف الفقر { ألا ساء ما يحكمون } في دفن البنات { للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء } ، قيل: النار، وقيل: صفة الجهل والكفر { ولله المثل الأعلى } مثل الصفات العلى والأسماء الحسنى { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم } أي لو يعجل عقوبتهم على ظلمهم وكفرهم { ما ترك عليها } على الأرض { من دآبة } أي من حيوان يدب، فإن قيل: هذا الظالم يستحق العقوبة بظلمه فما بال سائر الحيوانات يؤاخذوا؟ قالوا: عذابا للظالم، ومحبة لغير الظالم، هو كالأمراض النازلة بالمؤمنين، وعن أبي هريرة أنه سمع رجلا يقول: أن الظالم لا يضر إلا نفسه، فقال: بلى والله، حتى الحبارى تموت في كورها بظلم الظالم، وذلك أن شؤم ظلمهم يمسك المطر، ويضيق الرزق، فيؤدي إلى هلاك الحيوان، وقيل: ما ترك على ظهرها من دابة من أهل الظلم والشرك { ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى } وقت معلوم وهو الموت { فإذا جاء أجلهم } وقت الموعد { لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } { ويجعلون لله ما يكرهون } لأنفسهم من البنات، وقيل: يضيفون اليه ما يكرهون إضافته، وقيل: يضيفونه بأن له ولد { وتصف ألسنتهم الكذب } يعني يكذبون فيما يقولون { أن لهم الحسنى } ، قيل: الجنة في الآخرة إن كان محمد صادقا في البعث، وقيل لهم: من الله المنزلة الحسنة وقيل لهم: الصفات الجميلة { لا جرم } وعيد مقطوع به معناه حقا لهم النار، وقيل: بل { إن لهم النار } ، وقيل: لا بد ولا محالة { وانهم مفرطون } مقدمون إلى النار معجلون اليها من أفرط فلانا ومن قرأ بالكسر والتخفيف من أفرط بالمعاصي والتشديد من التفريط في الطاعة وما يلزمهم.
[16.63-69]
Page inconnue