ثم وصفهم تعالى فقال: { لهم قلوب لا يفقهون بها } أي لا يعلمون { ولهم أعين لا يبصرون بها } طريق الحق وسبيل الرشاد { ولهم آذان لا يسمعون بها } فيعرفون بذلك توحيد الله تعالى { أولئك كالأنعام بل هم أضل } في عدم الفقه والنظر للاعتبار والاستماع للتدبر، يعني هم أضل من الأنعام عن الفقه والتدبر والاعتبار { أولئك هم الغافلون } الكاملون في الغفلة.
[7.180-187]
{ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } يعني الأسماء التي يفيد المدح كعالم وقادر وحي وقديم وإله وسميع وبصير، وروي في الثعلبي: أن رجلا دعا في صلاته الرحمن فقال رجل من مشركي مكة: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا، فما بال هذا يدعو ربين؟ فأنزل الله: { ولله الأسماء الحسنى } هي الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام ونحوها، وروي فيه أيضا: أن لله تسعة وتسعين اسما من حفظها كلها دخل الجنة { وذروا الذين يلحدون في أسمائه } يميلون عن الحق والصواب بتسميتهم الأوثان آلهة، وعن ابن عباس: يكذبون { وممن خلقنا أمة يهدون بالحق } ، قيل: يهدون إلى الرشد، وقيل: يهدون به { وبه يعدلون } ، أي بالحق يميلون، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
" هي لأمتي بالحق يأخذون وبالحق يعطون "
، وقيل: هم مؤمنو أهل الكتاب، وقيل: هم الأنصار، وقيل: هم العلماء والأتقياء في كل عصر { والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } نزلت في المستهزئين أهلكهم الله تعالى جميعا، ومعنى استدراجهم من حيث لا يعلمون بأخذهم من أي طريق سلكوها حتى لا يفوت منهم أحد { وأملي لهم } أي أمهلهم ولا أعاجلهم بالعقاب { إن كيدي متين } أي عذابي شديد { أو لم يتفكروا ما بصاحبهم } وهو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) { من جنة } من جنون لأنهم قالوا: شاعر مجنون { إن هو إلا نذير مبين } مخوف { أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله } فيهما { من شيء } يعني فيما يدلان عليه من عظم الملك، والملكوت الملك العظيم، فيعلمون أن من قدر على ذلك مع عجائب صفته قدر على البعث، ويتدبروا فيما خلق الله تعالى { وان عسى أن يكون قد اقترب أجلهم } فيهلكون { فبأي حديث بعده } أي بعد القرآن { يؤمنون } يصدقون لا حديث ينزل بعد القرآن { من يضلل الله فلا هادي له } قيل: من يحكم بضلالته بعد هذا البيان فلا أحد يحكم بهدايته، { يسألونك عن الساعة } الآية نزلت في اليهود قالوا: يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا فانا نعلم متى هي وكان ذلك امتحانا منهم مع علمهم أن الله تعالى قد استأثر بعلمها، وقيل: السائلون قريش { أيان مرساها } يعني متى ومنه قول الزاجر:
أيان تقضى حاجتي أيانا
مرساها أي بناؤها، وقال ابن عباس: منتهاها، وقيل: قيامها { قل } يا محمد { إنما علمها عند ربي } استؤثر بعلمها { لا يجليها } يطهرها ويكشفها { إلا هو ثقلت في السموات والأرض } يعني ثقلت واشتدت على أهل السموات والأرض لخفائها، وقيل: عظم وصفها على أهل السموات والأرض انتثار النجوم وتكوير الشمس { لا تأتيكم إلا بغتة } فجأة على غفلة { يسألونك كأنك حفي عنها } أي عالم بها { قل } يا محمد { إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أن علمها عند الله حين سألوا محمدا عما لم يطلعه.
[7.188-193]
{ قل } يا محمد { لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله } الآية نزلت في أهل مكة قالوا: يا محمد لا يخبرك ربك عن الرخص والغلاء فتشتري في وقت الرخص وتبتاع في وقت الغلاء فتربح، وإذا كنت في أرض تريد أن تجدب ترحل إلى الخصيب فنزلت الآية، إلا ما شاء الله أن أملكه بتمليكه إياي تعالى { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء } والمضار حتى لا يمسني منها شيء ولم آل في الحروب غالبا مرة ومغلوبا مرة ومغلوبا أخرى { إن أنا إلا } عبد أرسلت { نذير وبشير لقوم يؤمنون } يصدقون { هو الذي خلقكم من نفس واحدة } يعني آدم (عليه السلام) { وجعل منها } أي خلق منها { زوجها } وهي حوى خلقها الله من جسد آدم من ضلع من أضلاعه { ليسكن اليها } أي ليطمئن إليها ويميل { فلما تغشاها } والتغشي كناية عن الجماع { حملت حملا خفيفا } خف عليها لم تلق منه ما تلقى بعض الحبالى من حملهن من الكرب { والأذى فلما أثقلت } كبر الحمل في بطنها وتحرك { دعوا الله ربهما } يعني دعا آدم وحوى ربهما مالكهما الذي هو الحقيق بأن يدعى إليه قالا: { لئن آتيتنا صالحا } وهبت لنا ولدا صالحا في الدين { لنكونن من الشاكرين } قال في الثعلبي: وذلك أنهما أشفقا أن يكون بهيمة، وروي فيه أيضا: أن آدم وحوى لما أهبطا إلى الأرض ألقيت الشهوة في نفس آدم فأصابها فحملت، فلما تحرك ولدها في بطنها أتاها ابليس فقال: ما هذا إلا ناقة أو جمل أو بقرة أو ضائنة أو ماعز، وما يدريك ما في بطنك لعله كلب أو خنزير أو حمار، وما يدريك من أين يخرج من دبرك فيقتلك أو من عينك أو أذنك أو من فيك أو ينشق بطنك، فخافت حوى، فقال: أطيعيني وسميه عبد الحرث وكان اسمه في الملائكة الحارث تلدين، فذكرت ذلك لآدم (عليه السلام) فقال: لعله صاحبنا الذي قد علمت، فلم يزل بهما حتى سمياه عبد الحرث، وروي عن ابن عباس أيضا: كانت حوى تلد لآدم (عليه السلام) فتسميه عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن ونحو ذلك فيصيبهم الموت، فأتاهما ابليس فقال: إن شئتما يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحرث، فولدت إبنا فسماه عبد الحرث { فلما آتاهما } ما طلباه من الولد الصالح السوي { جعلا له شركاء } أي جعلا أولادهما له شركا على حذف المضاف وإقامة المضاف اليه مقامه وكذلك { فيما آتاهما } أي أتى أولادهما، ويدل عليه قوله تعالى: { فتعالى الله عما يشركون } وآدم وحوى يريان من الشرك ومعنى اشركهم فيما أتاهم تسميتهم أولادهم بعبد العزى وعبد مناة وعبد شمس وما أشبه ذلك مكان عبد الله وعبد الرحمن { أيشركون ما لا يخلق شيئا } ، قيل: الأوثان يعني كفار مكة فإن الأوثان لا تخلق شيئا ولا تقدر عليه، وقيل: الشمس وسموا عبد شمس وهذا إنكار وتقريع { وهم يخلقون } يعني الشمس لا تخلق شيئا حتى يكون لها عبدا وإنما هي مخلوقة، وقيل: أولاد آدم { ولا يستطيعون لهم نصرا } يعني هذه الأوثان لا يقدرون على معونتهم على عدوهم { ولا أنفسهم ينصرون } يدفعون عن أنفسهم مكروها { وان تدعوهم إلى الهدى } ، قيل: ان تدعو المشركين إلى الهدى { لا يتبعوكم } ، وقيل: المراد الأصنام يعني ادعوا هذه الأصنام إلى الهدى، إلى ما هو هدى ورشاد، والمعنى ان تطلبوا منهم كما تطلبون من الله تعالى من الخير والهدى { لا يتبعوكم } إلى مرادكم ومطلبكم ولا يجيبونكم كما يجيبكم الله تعالى ويدل عليه قوله تعالى: { فادعوهم } الآية.
[7.194-200]
Page inconnue