{ فإن كذبوك } وأنكروا عليك يا أكمل الرسل فلا تبال بتكذيبهم وإنكارهم { فقد كذب رسل من قبلك } ذو معجزات كثيرة، وآيات عظام { جآءوا } على من أرسل إليهم { بالبينات } الواضحة { والزبر } أي: الصحف المثبتة فيها الأحكام فقط { والكتاب } المبين فيه الأحكام والمواعظ والرموز والإرشادات { المنير } [آل عمران: 184] على كل من استنار منه واسترشد، ومع ذلك ينكرونهم، فمضوا هم ومنكروهم.
[3.185-187]
إذ { كل نفس } خيرة كانت أو شريرة { ذآئقة } كأس { الموت } عند حلول الأجل المقدر له من عندنا { وإنما توفون أجوركم } تعطون؛ أي: جزاء أعمالكم خيرا كان أو شرا { يوم القيامة } التي هي يوم الجزاء { فمن زحزح } بعد منكم بعمله الصالح { عن النار } المعدة للفجرة والفساق { وأدخل } بها { الجنة } التي أعدت للسعداء { فقد فاز } فوزا عظيما، ومن لم يزحزح عن النار؛ لفساد عمله، وأدخل فيها بسببه، فقد خسر خسرانا مبينا { و } اعلموا أيها المكلفون بالإيمان والأعمال والصالحة المتفرعة عليه: { ما الحياة الدنيا } التي أنتم فيها تعيشون { إلا متاع الغرور } [آل عمران: 185] يغركم بلذاتها الفانية الغير القارة عن النعيم الدائم والسرور المستمر، وأنتم أيها المغررورون بمزخرفاتها لا تنتبهون.
والله أيها المؤمنون { لتبلون } ولتختبرن { في } إتلاف { أموالكم } التي هي من حطام الدنيا { و } إماتة { أنفسكم } وأولادكم التي هي الهالكة، المستهلكة في ذواتها { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } من اليهود والنصارى { ومن الذين أشركوا } ممن لا كتاب لهم و لانبي { أذى كثيرا } يؤذيكم سماعها؛ كل ذلك لتوطنوا أنفسكم على التوحيد، وتتمكنوا في مقام الرضا والتسليم وتستقروا في مقام العبودية، متمكنين، مطمئنين بلا تزلزل وتلوين { وإن تصبروا } أيها الموحدون بأمثالها { وتتقوا } عن الإضرار بها { فإن ذلك } الصبر والتقوى { من عزم الأمور } [آل عمران: 186] أي: الأمور التي هي من عزائم أرباب التوحيد، فعليكم أن تلازموها وتواظبوا عليها، إن كنتم راسخين فيه.
ثبتنا بلطفك على نهج الاستقامة، وأعذنا من موجبات الندامة يوم القيامة.
{ و } اذكر يا أكمل الرسل لمن يؤذيك، ومتبعيك من أهل الكتاب وقت { إذ أخذ الله } المرسل للرسل، المنزل للكتب { ميثاق } أي: العهد الوثيق { الذين أوتوا الكتاب } أي: أحبار اليهود والنصارى { لتبيننه } أي: الكتاب صريحا واضحا، بلا تبديل ولا تغيير { للناس ولا تكتمونه } شيئا مما فيه من القصص والعبر والرموز والإشارات، وخصوصا من أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم { فنبذوه } بعدما عهدوه { ورآء ظهورهم } وإن كان المعهود عند أولي العزائم الصحيحة أن يكون نصب عيونهم { واشتروا به } أي: اختاروا بدله { ثمنا قليلا } من الرشى من مترفيهم ومستكبريهم؛ حفظا لجاههم ورئاستهم { فبئس ما يشترون } [آل عمران: 187] تلك الرشى بدل مما يكتمونه من أوصاف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
[3.188-191]
{ لا تحسبن } أيها الكامل في أمر الرسالة المنافقين { الذين يفرحون بمآ أتوا } من الخداع والنفاق مع المؤمنين وإظهار الإيمان على طرف اللسان { ويحبون أن يحمدوا } عند إخوانهم { بما لم يفعلوا } من الإخلاص مع أهل الإيمان، وهم وإن أخلصوا عن أيدي المؤمنين، ظاهر انخداعهم ونفاقهم { فلا تحسبنهم بمفازة } منجاة ومخلص { من العذاب } المعد له في يوم الجزاء، بل { ولهم } فيها { عذاب أليم } [آل عمران: 188] مؤلم عن رؤيتهم المؤمنين، المخلصين في النعيم الدائم واللذة المستمرة.
{ و } إن اغتروا بإمهال الله إياهم في النشأة الدنيا، لا يمهلون في الآخرة؛ إذ { لله ملك السموت } أي: عالم الأرواح { والأرض } أيك علام الطبيعة، وله التصرف فيهما بالاستقلال، كيف يشاء؟ متى يشاء؟ بطشا وإمهالا { والله } المتفرد، المتوحد في ملكه ملكوته { على كل شيء } من الأنعام والانتقام { قدير } [آل عمران: 189] إكثارا وتقتيرا.
{ إن في خلق السموت } أي: الأسماء والأوصاف الفاعلة الفياضة { والأرض } أي: الطبيعة القابلة، المستعدة لقبول الفيض { واختلاف اليل } أي: آثار القبض والجلال { والنهار } أي: آثار البسط والجمال { لآيات } دلائل وعلامات دالة على رقائق المناسبات، ودقائق الارتباطات الواقعة بين الأسماء والصفات، المستدعية لظهور التجليات الظاهرة في الآفاق بسحب القوابل والمظاهر { لأولي الألباب } [آل عمران: 190] الواصلين إلى لب التوحيد، المنخلعين عن قشورة بالمرة.
Page inconnue