{ بل } يكفي { الله } المدبر لأموركم { مولاكم } يولي أموركم، ويعينكم عليهم متى اضطررتم { و } اعلموا أيها المضطرون في الوقائع { هو خير الناصرين } [آل عمران: 150] فاستنصروا منهم وتوكلوا عليه، وما النصر إلا من ندن الله العزيز العليم.
[3.151-152]
وحين استرجعتم إلينا، واستغنيتم بنا مخلصين { سنلقي } بقهرنا وغضبنا { في قلوب الذين كفروا } بتوحيدنا { الرعب } والمخافة مع كونكم مستضعفين، وإنما نلقيهم الرعب { بمآ أشركوا بالله } المنزه عن الأشياء والأنداد { ما لم ينزل به } أي: أصناما وآلهة ما لم ينزل الله بسببها عليهم { سلطانا } حجة تلجئهم إلى عبادتها وإطاعتها، بل ما اتخذوها آلهة إلا من تلقاء أنفسهم؛ ظلما وعدوانا، تعالى عما يقول الظالمون { و } ليس { مأواهم } في النشأة الاخرى إلا { النار } الموعود لمن أظلم على الله، واتبع هواه { وبئس } المثوى والمأوى { مثوى الظالمين } [آل عمران: 151] الخارجين عن حدود الله وشعائر توحيده.
{ ولقد صدقكم الله } أيها المؤمنون { وعده } الذي وعده لكم من النصر والظفر وقت { إذ تحسونهم } أي: العدو، ويحفظ كلا منكم المكان الذي عينه رسول الله صلى الله عليه وسلم { بإذنه } أي: بإذن الله ووحيه بلا ميل إلى الغنيمة والنهب { حتى إذا فشلتم } ملتم إلى الغنيمة، وخالفتم حكم الله ورسوله { وتنازعتم في الأمر } أي: أمر التبادر والتسابق إلى الغنيمة { وعصيتم } تركتم إطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم { من بعد مآ أراكم } أمارات { ما تحبون } وتطلبون، وتوعدونه من النصر والظفر المشروط بالتقرر والتمكن، وبعد رؤيتكم أنفسكم قسمين: { منكم من يريد } حطام { الدنيا } فترك المركز وخالف الأمر { ومنكم من يريد الآخرة } فثبت على المركز وحفظ الأمر، ولم يضطرب عن مكانه.
{ ثم } لما غيرتم ما في نفوسكم من عقد الله ورسوله { صرفكم } أي: بعدكم { عنهم } وعن أموالهم خائنين، فارين { ليبتليكم } ويختبركم ببلاء الهزيمة، هل تستقرون وتثبتون على الإيمان وتصبرون على المصائب الحادثة في حفظه أم لا؟ { و } بعدما خالفتم أمر الله وأمر رسوله، وملتم إلى الغنائم بعدما ورد النهي عن الله ورسوله { لقد عفا } الله { عنكم } ذنوبكم بعد ندامتكم واستغفاركم؛ تفضلا عليكم وإن كان مقتضى جريمتكم استئصالكم بالمرة { والله } الهادي لعباده { ذو فضل } عظيم { على المؤمنين } [آل عمران: 152] تجاوز عن سيئاتكم، وإن عظمت بعدما تابوا واستغفروا.
[3.153-154]
واذكر أيها المؤمنون قبح صنيعكم، وستحيوا من الله، وتندموا عما صدر منكم وقت { إذ تصعدون } تذهبون إلى الأباعد؛ خوفا من العدو، فارين من الزحف، متخالفين لرسول الله { و } عند ذهابكم وفراركم { لا تلوون } تلتفتون على أعقابكم، ولا تنتظرون { على أحد } من إخوانكم { والرسول } صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة { يدعوكم } ويناديكم صارخا: إلي عباد الله، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم { في أخركم } ساقتكم وعصيانكم، ولم يلتفت أحد منكم إلى عقبه لإجابة دعائه صلى الله عليه وسلم.
ومع ذلك لم تنجوا سالمين { فأثبكم } أورثكم الله، المصلح لأحوالكم؛ تأديبا لكم، متصلا { غما بغم } آخر، حيث أحاطت بكم الغموم من القتل والجرح والإرجاف بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما فعل بكم ما فعل { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم } من النهب والغنيمة { ولا مآ أصبكم } من الفرار والهزيمة، ولتتمكنوا أو تتمرنوا في مقام الرضا والتسليم، ولا تخالفوا أمر الله ورسوله { والله } المدبر لأمروكم { خبير بما تعملون } [آل عمران: 153] بمقتضى تسويلات نفوسكم الأمارة بالسوء، فيجازيكم بها؛ لكي تتنبهوا وتسلموا أموركم إلى الله وتتحققوا بالتوحيد الذاتي.
{ ثم } لما تبتم ورجعتم إلى الله، وندمتم عما فعلتم { أنزل عليكم } امتنانا لكم وتفضلا { من بعد الغم } المفرط { أمنة } طمأنينة ووقارا، حيث تورث { نعاسا } رقدة ونوما { يغشى طآئفة منكم } وهم المتحقوون بمقام العبودية، الراضون بما جرى عليهم من القضاء، لا يشوشهم السراء والضراء { وطآئفة } من منافقيكم { قد أهمتهم أنفسهم } أي: أوقعتهم نفوسهم وأمانيتهم في الهموم والغموم المبعدة عن مقام التفويض والتسليم إلى حيث { يظنون بالله } ظنا باطلا { غير } ظن { الحق } بل { ظن الجهلية } حيث { يقولون } لرسول الله استكشافا ظاهرا، أو استنكافا خفية: { هل لنا من الأمر } أي: أمر الله الذي وعدتنا والنصر والظفر { من شيء } أم الأمر للعدو دائما، واليد له مستمرا؟
{ قل } لهم يا أكمل الرسل إلزاما وتبكيتا: { إن الأمر } أي: أمر جميع ما كان وما يكون { كله لله } اولا، وبالذات بلا رؤية الوسائط والوسائل في البين، وهم من غاية عماهم { يخفون في أنفسهم } من البغض والنفاق { ما لا يبدون لك } بل يبدون لإخوانهم، إذا خلا بعضهم بعضا حتى { يقولون } متهكمين، مستهزئين: { لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا } مهانين، مظلومين { قل } لهم يا أكمل الرسل كلاما ناشئا عن محض الحكمة: لا مرد لقضاء الله، ولا معقب لحكمه، بل يجري في ملكه ما ثبت في علمه.
Page inconnue