ثم قال سبحانه مستفهما مستبعدا على سبيل التوبيخ والتريع: { كيف يهدي الله } الهادي لعباده { قوما كفروا بعد إيمانهم } بوحدانية الله { و } بعد أن { شهدوا } أقروا واعترفوا وصدقوا { أن الرسول } المبين لهم طريق التوحيد، المرشد إليه مرسل { حق } من عند الله صادق في دعواه { و } مع ذلك { جآءهم البينات } الدالة على صدقه، فقبلوا جميعه ثم ارتدوا، العياذ بالله { والله } الهادي للكل إلى سواء السبيل { لا يهدي القوم الظالمين } [آل عمران: 86] الخارجين عن حدوده.
{ أولئك } الظالمون الضالون عن منهج الصدق والصواب { جزآؤهم } المتفرع على ضلالهم هو { أن عليهم لعنة الله } وطرده وتخذييله إياهم ثابت له مستقر أزلا وأبدا { و } لعنة { الملائكة } المستغفرين { و } لعنة { الناس أجمعين } [آل عمران: 87].
{ خالدين } هؤلاء { فيها } أي: في اللعنة ولوازمها من أنواع العذاب والنكال بحيث { لا يخفف عنهم العذاب } المتفرع عليها أصلا { ولا هم ينظرون } [آل عمران: 88] ينتظرون تخفيفه.
{ إلا الذين تابوا } منهم في النشأة الأولى { من بعد ذلك } الارتداد والضلال { وأصلحوا } أحوالهم بالتوبة والإخلاص والاستغفار والندماة على ما صدر عنهم { فإن الله } الموفق لهم على التوبة { غفور } يستر جرائمهم { رحيم } [آل عمران: 89] مشفق يتجاوز عن زلاتهم.
[3.90-92]
ثم قال سبحانه: { إن الذين كفروا } ارتدوا، العياذ بالله { بعد إيمانهم } ثم لم يتوبوا { ثم } لم يتندموا بل { ازدادوا كفرا } أو إصرارا وعتوا واستكبارا { لن تقبل توبتهم } بعدما عاندوا { وأولئك } المعاندون المصرون { هم الضآلون } [آل عمران: 90] المقصرون على الضلالة في بدء الفطرة، لا يرجى منهم الفلاح أصلا بل:
{ إن الذين كفروا } في مدة أعمارهم { وماتوا و } الحال أنه { هم كفار } كما كانوا { فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به } أي: لن تقبل توبتهم عند الله وإن أنفق وافتدى كل واحد منهم ملء الأرض ذهبا رجاء أن تقبل توبته، بل { أولئك } الهالكون في تيه الضلال { لهم عذاب أليم } دائما مستمرا { وما لهم من ناصرين } [آل عمران: 91] من أنواع النصر من الشفاعة والإنفاق والعمل الصالح والحج المبرور وغير ذلك.
ثم لما سجل سبحاه عليهم العذاب بحيث لا يخفف عنهم أصلا، ولا تقبل توبتهم وإن أنفق كل واحد منهم ملء الأرض ذهبا، نبه علكى المؤمنين طريق الإنفاق، وخاطبهم على وجه التأكيد والمبالغة فقال: { لن تنالوا البر } أي: لن تصلوا ولن تبلغوا أيها المؤمنون مرتبة الأبرار والأخيار عند الله مطلقا { حتى تنفقوا } امتثالا لأمره وطلبا لرضاه { مما تحبون } أي: من أحسن ما عندكم وأكرمه { و } اعلموا أن { ما تنفقوا من شيء } ولو حبة أو ذرة أو كلمة طيبة خالصا لرضاه بلا شوب المنة والأذى { فإن الله } المطلع لجميع أحوالكم ونياتكم { به عليم } [آل عمران: 92] لا يغيب عن علمه شيء فيجازيكم على مقتضى علمه.
[3.93-95]
ثم لما ادعى اليهود أن ما حرم في ديننا كان حراما في دين إبراهيم أيضا، وأنتم أيها المدعون موافقة دينكم وملتكم دين إبراهيم وملته، لم تحلون ما حرم في دينه؟
Page inconnue