509

{ وكان في المدينة تسعة رهط } أي: تسعة رجال اتفقوا إلى حيث صاروا رهطا واحدا متفقين على قهره وقتله، والرهط جمع لا واحد له، يطلق على ما دون العشرة، وكان شأنهم مقصورا على الإفساد والفساد { يفسدون في الأرض } بأنواع الفسادات { ولا يصلحون } [النمل: 48] أصلا في حال من الأحوال.

وبعدما ظهر عليهم أمارات العذاب الإلهي، وتحقق عندهم نزوله قصدوا إهلاك صالح ومن معه قبل إهلاكهم، حيث { قالوا } في ما بينهم: { تقاسموا بالله } بأن حلف كل منكم عند صاحبه { لنبيتنه وأهله } ونهلكنه قبل إلمام العذاب علينا { ثم لنقولن لوليه } عند طلب ثأره مبالغين في الإنكار: { ما شهدنا } في مدة عمرنا { مهلك أهله } أي: المكان الذي أهلك فيه صالح. فكيف قتلنا إياه؟! { و } نؤكد قولنا هذا بالقسم أيضا عند وليه، ونقسم { إنا لصادقون } [النمل: 49] في قولنا هذا، وما لنا علم بأهلاكه.

{ ومكروا } واحتالوا، لمقت نبينا { مكرا } بلغيا { ومكرنا } أيضا؛ لهلاكهم واستئصالهم { مكرا } أبلغ من مكرهم، بأن أمرنا الملائكة حي يمم أولئك المفسدون الماكرون؛ لقتل صالح، وأخذوا يطلبونه أن يرجمهم بالحجارة، ويصيح عليهم بالصيحة الهائلة عند الرجم، ففعلوا معهم كذلك { وهم } حينئذ من شدة هولهم وفزعهم { لا يشعرون } [النمل: 50] الصائح والرماة، فهلكوا بالمرة بلا وصول إلى من مكروا لأجله.

{ فانظر } أيه الناظر المعتبر { كيف كان عاقبة مكرهم } واصلة إليهم لاحقة بهم وبالجملة: { أنا } من مقام قهرنا وجلالنا { دمرناهم } وأهلكنا؛ أي: التسعة المتقاسمين { وقومهم } أيضا { أجمعين } [النمل: 51] إلى حيث لم يبق منهم أحد يخلفهم.

{ فتلك } الأطلال الخربة والرسوم المندرسة { بيوتهم } ومساكنهم التي شيدوها وحصنوها بأنواع التشييدات والمترصفات والتجصيصات انظر كيف صارت { خاوية } ساقطة جدرانها على سقوفها منعسكة، كل ذلك { بما ظلموا } وبشؤم ما خرجوا على مقتضى الحدود الإلهية عتوا واستكبارا { إن في ذلك } المكر والإهكلا { لآية لقوم يعلمون } [النمل: 52] دالة على كمال قدرتنا على انتقام من خرج عن ربقة انقيادنا وطاعتنا.

{ و } بعدما أهلكناهم صاغرين { أنجينا الذين آمنوا } بتوحيدنا، وصدقوا رسلنا سالمين غانمين { و } هم من كمال إخلاصهم وخشيتهم { كانوا يتقون } [النمل: 53] ويحذرون من قهرنا وغضبنا، ولا يسيئون الأدب معنا ومع رسلنا.

[27.54-59]

{ و } من مقتضيات حكمتنا المتقنة أرسلنا { لوطا } إلى قوم خرجوا عن مقتضى حدودنا تاركين حدود حكمة التناسل والتوالد وإبقاء النوع، مبدلين لها إلى ما هو مذموم عقلا وشرعا، وعرفا وعادة، ومروءة وطبعا، اذكر يا أكمل الرسل { إذ قال لقومه } مستفهما منهم على سبيل الإنكار والتوبيخ: { أتأتون الفاحشة } والفعلة القبيحة الشنيعة { وأنتم تبصرون } [النمل: 54] وتشاهدون قبحها وشنعتها وقت ما فعلتم وآتيتم.

{ أإنكم } أيها المسرفون المتسعبدون للشهوة { لتأتون الرجال } الذين هم مثلكم في الرجولية { شهوة من دون النسآء } مع أن الحكمة الإلهية تقتضي إيتاءهن للتناسل وبقاء النوع كسائر أنواع الحيوان، وهؤلاء مع جهلهم لا يخرجون عن مقتضى الحكمة، وأنتم أيها الحمقى مع أنكم مجبولون على العقل الفطري المميز بين الذمائم من الأخلاق والأطوار وحميدتها، تخرجون من مقتضاها { بل أنتم } بفعلتكم هذه { قوم تجهلون } [النمل: 55] منسلخون عن مقتضى العقل الإدراك المميز للإنسان عن سائر الحيوان، بل أسوأ حالا من الحيوانات العجم؛ إذ لا يتأتى منها أمثال هذا إلا من الحمار الأرذل الأنزل، انظروا ما هو شريككم في فعلتكم هذا أيها الحمقى المسرفون المفرطون.

{ فما كان جواب قومه } بعدما سمعوا منه أنواع الشتنيعات والتقريعات { إلا أن قالوا } من فرط انهماكهم في الغي والضلال، ونهاية عمههم وسكرتهم في رق شهواتهم ولذاتهم البهيمية متشاورين بينهم، متقاولين: { أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون } [النمل: 56] عن أفعالنا ويتنزهون، ولا مناسبة بيننا وبينهم، فلهم أن يخرجوا من بيننا؛ حتى لا يتلوثوا بأفعالنا ويتنزهون، ولا مناسبة بيننا وبينهم، فلهم أن يخرجوا من بيننا؛ حتى لا يتلوثوا بأفعالنا، إنما قالوا هكذا تهكما واستهزاء.

Page inconnue