ثم فصل بعضا منها تنصيصا عليهم، فقال: { أمدكم بأنعام } تستمدون بها أكلا وحملا وركوبا { وبنين } [الشعراء: 133] تظاهرون بهم وتفاخرون.
{ وجنات } منتزهات ملتفة بأنواع الأشجار والكروم { وعيون } [الشعراء: 134] جاريات تجري بين جناتكم منها أنهار المياه.
{ إني } من كمال عطفي ومرحمتي { أخاف عليكم } من كمال تعنتكم واستكباركم { عذاب يوم عظيم } [الشعراء: 135] أي: نزول عذاب الله وأنواع عقوباته فيه.
[26.136-145]
ولما سمعوا منه ماسمعوا من التذكير والنصيحة على طريق المبالغة { قالوا } من كمال استكبارهم واستنكافهم، وشدة إنكارهم: { سوآء علينآ } يا هود { أوعظت } بما وعظت { أم لم تكن من الواعظين } [الشعراء: 136] المذكرين، نحن ما نسمع منك خرافاتك ولا نتمثل بها، ولا نترك لأجلها وأجلك أخلاق أسلافنا التي كانوا عليها.
{ إن هذا } أي: ما كنا عليه من الأخلاق ما هي { إلا خلق } آبائنا { الأولين } [الشعراء: 137] وعادتهم المستمرة، وسنتهم السنية المأثورة لنا منهمز
{ و } بالجملة: { ما نحن } ولا أسلافنا الذين مصوا عليها { بمعذبين } [الشعراء: 138] بعد انقراضنا عن هذه النشأة: إذ لا إعادة ولا رجوع لنا، ولا نشور من قبورنا بعدما متنا وكنا ترابا وعظاما بالية.
بالجملة: لم يقبلوا منه دعوته، ولم يصدقوا قوله: { فكذبوه } تكذيبا شديدا، وصاروا بسبب تكذيبهم إياه، وإنكارهم عليه مستحقين لقهرنا وغضبنا { فأهلكناهم } من كمال غيرتنا، واستأصلناهم بمقتضى قدرتنا { إن في ذلك } الإهلاك والاستئصال { لآية } دالة على استقلالنا واستيلائنا بالسلطنة القاهرة على مظاهرنا ومربوباتنا { و } لكن { ما كان أكثرهم مؤمنين } [الشعراء: 139] بنا وبأسمائنا، وأوصافنا الكاملة الشاملة آثارها لعموم المظاهر والمصنوعات.
{ وإن ربك } يا أكمل الرسل { لهو العزيز } الغالب المستقبل بالتصرف في آثار أسمائه وأوصافه بلا مشاركة له في الوجود والإيجاد { الرحيم } [الشعراء: 140] بتجلياته اللطيفية الجمالية في إظهار الكائنات المشاهدة في الآفاق والأنفس حسب إمداده وإعانته.
ثم قال سبحانه مخبرا عن المكذبين المهلكين أيضا: { كذبت ثمود المرسلين } [الشعراء: 141].
Page inconnue