[النور: 31] { وأن يستعففن } عن الوضع { خير لهن } سواء كن عجائز أم شواب؛ لأن العفة أبعد من التهمة في كل الأحوال { والله } المطلع لسرائرهن { سميع } لمقالتهن مع الرجال { عليم } [النور: 60] بنياتهن منها.
[24.61-62]
ثم لما كانت العرب يتحرجون عن مصاحبة ذوي العاهات، والمؤاكلة معهم استقذارا، وكانوا أيضا يتحرجون من البيوتات المذكورة تعظما واستبكارا، بل يعدونه عارا، ويستنكفون منه، رد الله عليهم ونفى الحرج، فقال: { ليس على الأعمى حرج } أن يأكل مع البصراء { ولا على الأعرج حرج } أن يأكل مع السوي السالم، ويجلس معه { ولا على المريض حرج } أن يأكلش مع الأصحاء { ولا } حرج أيضا { على أنفسكم } في أكلكم مطلقا سواء { أن تأكلوا من بيوتكم } وعند أهليكم ومحارمكم، سواء كان من أكسابكم وأكساب أولادكم { أو بيوت ءابآئكم } وأجدادكم؛ لأنهم مستخلفون لكم { أو بيوت أمهتكم } لأن بينكم وبينهن مناسبة الكلية والجزئية { أو بيوت إخونكم أو بيوت أخوتكم } لا شتراككم معهم في المنشأ { أو بيوت أعممكم أو بيوت عمتكم } لاشتراك آبائكم معهم في المنشأ { أو بيوت أخولكم أو بيوت خلتكم } لاشتراك أمهاتكم معهم في المنشأ.
{ أو } بيوت { ما ملكتم مفاتحه } يعني: بيوت عبيدكم التي أنتم أسباب لإنشائها سواء كانوا معتقين أم لا، والتعبير عنهم بما: للتمليك والرية { أو } بيوت { صديقكم } بالمناسبة المعنوية التي هي أقوى من القرابة النسبية الصورية، كل ذلك المذكور مسبوق بالإذن والرضا والتبسط والنشاط من أصحاب البيوتات.
ثم أشار سبحانه إلى أدب المؤاكلة فقال: { ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا } مجتمعين في إناء واحد يأكل بعضكم سؤر بعض؛ إذ هو أدخل في التأليف والتحابب { أو أشتاتا } متفرقين كل في إناء، وهذا أدخل في التزكية والنظافة { فإذا دخلتم بيوتا } أي: كل منكم بيتا من البيوت التي رخصتم بالأكل منها { فسلموا على أنفسكم } أي: فابدؤوا بالسلام على أهلها؛ لأنهم منكم دينا وقرابة، حتى صار سلامكم إياهم { تحية } وزيادة حياة لهم { من عند الله } تفضلا عليهم وإحسانا { مبركة } كثيرة الخير والبركة النازلة من عده على أهلها { طيبة } خالصة صافية عن كدر النفاق وأثر الخلاف والشقاق { كذلك يبين الله لكم الأيت } الدالة على آداب أثر الخلاف والشقاق { لعلكم تعقلون } [النور: 61] رجاء أن تتفطنوا منها إلى أحوالكم في النشأة الأخرى، فتزودوا فيها لأجلها.
ثم أشار سبحانه إلى محافظة الآداب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورعاية حقوقه، وكمال الإطاعة والانقياد إليه فقال: { إنما المؤمنون } الموحدون الكاملون، المنكشفون بسرائر التوحيد الذاتي هم { الذين آمنوا بالله } الجامع لجميع الأسماء والصفات المنسوبة إلى الذات الأحدية { ورسوله } الجامع لجميع مراتب المظاهر والمصنوعات، لا يخرج عن حيطة مرتبته الجامعة الكاملة مرتبة من المراتب أصلا { و } بعدما عرفتم جمعيته { إذا كانوا } مجتمعين { معه } صلى الله عليه وسلم { على أمر جامع } أي: أمر مشروط حصوله بالاجتماع والاقتحام كالزحف والجهاد والجمع والأعياد { لم يذهبوا } ولم ينصرفوا من عنده صلى الله عليه وسلم { حتى يستأذنوه } بالانفضاض والانصراف، وإن كنتم مضطرين إلى الإياب والذهاب.
ثم كرر سبحانه أمر الاستئذان على وجه أبلغ تأكيدا ومبالغة، فقال مخاطبا لحبيبه صلى الله عليه وسلم: { إن الذين يستأذنونك } في الذهاب والانصراف محافظة على الأدب { أولئك } السعداء المستأذنون هم { الذين يؤمنون } حقا { بالله ورسوله } ويراعون الأدب معهما من صفاء بواطنهم وخلوص طوياتهم { فإذا استأذنوك } يا أكمل الرسل بعد اضطرارهم { لبعض شأنهم } وأمرهم المتعلق بمعاشهم { فأذن لمن شئت منهم } أي: أنت مخير في إذنهم بعد اضطرارهم { و } بعدما أذنت لهم { استغفر لهم الله } من ذنبهم الذي اختاروا من أمر الدنيا على أمر العقبى، واستأذنوا له واهتموا لشأنه { إن الله } المطلع لاستعدادات عباده { غفور } يغفر لهم أمثال هذه الفرطات الاضطرارية { رحيم } [النور: 62] مشفق حينئذ عليهم بعدما ندموا في نفوسهم.
[24.63-64]
ومن جملة الآداب التي وجبت عليكم رعايتها ومحافظتها بالنسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تجعلوا دعآء الرسول } ونداءه { بينكم } بين أظهركم { كدعآء بعضكم بعضا } بالاسم واللقب فقط لا ضميمة تدل على تعظيمه وتوقيره، بل قولوا له وقت ندائه: يا نبي الله؛ أو: يا خير خلق الله، أو: يا أكرم الخلق على الله، وأمثالها.
أو لا تجعلوا دعاءه ومناجاته مع الله، ورفع حاجاته صلى الله عليه وسلم إليه سبحانه في الإجابة والقبول كدعاء بعضكم بعضا، فإن قبل مرة رد أخرى بل رد مرارا كثيرة، فإن دعاءه صلى الله عليه وسلم لا يرد عند الله أصلا، أولا تقيسوا نداءه إليكم في الوقائع والأمور كدعاء بعضكم بعضا، فإن تجيبوا مرة وتردوا أخرى، بل عليكم أن تبادروا الإجابة ندائه صلى الله عليه وسلم سمعا وطاعة بلا مطل وتسويف، وخافضين أصواتكم حين إجابته مسرعين إليها بالآلات والجوارح، ساعين إلى إنجاح سؤله ومطلوبه صلى الله عليه وسلم.
Page inconnue