اذكر لهم يا أكمل الرسل توبيخا لهم، وتذكيرا لمن اعتبر منهم من المؤمنين { يوم تشهد عليهم } بإلهام الله وإعلامه { ألسنتهم } وتقر بما صدر عنها من الكذب والافتراء، ورمي المحصنات، وقذف العفائف عمدا بلا علم لهم ولا شعور بحالهن { وأيديهم } لما افترقوا من الأخذ والإعطاء لا على الوجه المشروع { وأرجلهم } بالسعي والتردد إلى ما يرضى منه سبحانه ولا رسوله ولا المؤمنون، وبالجملة: يقر كل من أعضائهم وجوارحهم { بما كانوا يعملون } [النور: 24] ويكتسبون من المعاصي والآثام.
{ يومئذ يوفيهم الله } المجازي لأعمالهم { دينهم } وجزائهم { الحق } أي: ما يستحقون من الجزاء بلا زيادة ونقصان عدلا منه سبحانه { و } حنيئذ { يعلمون } يقينا { أن الله } القادر على الإنعام والانتقام { هو الحق } المقصور على التحقق والثبوت بالقسط والعدل { المبين } [النور: 25] الظاهر ألوهيته وربوبيته على الوجه الأقسط الأعدل الأقوم، بلا ميل منه وانحراف عن جادة الاستقامة والعدل الحقيقي.
ومن جملة عدالته: رعاية المناسبات بين المظاهر والمربوبات، كما بينها سبحانه بقوله: { الخبيثات } من النساء المطعونات بأنواع الرذائل، المنحرفات عن جادة السلام والطهارة { للخبيثين } كذلك من الرجال؛ يعني: لا يتزوجهن غير الخبيثين بحكم المناسبة { و } كذا { الخبيثون } من الرجال { للخبيثات } من النساء، كل لنظيرتها بحكم المصلحة الإلهية.
{ و } كذا { الطيبات } الطاهرات العفائف المحصنات { للطيبين } أيضا كذلك { و } كذا { الطيبون } المستقيمون على جادة التوحيد والعدالة { للطيبات } أيضا كذلك؛ إذ كل يميل بالطبع إلى شاكلته بالميل المعني الموضوع بالوضع الإلهي، ومتى ثبت هذا الحكم، وتبين هذه المناسبات بتبيين الله { أولئك } العفائف المطهرون الطيبون { مبرءون } منزهون { مما يقولون } أولئك الرماة المفترون والطغاة الخبيثون المنحرفون عن طريق احلق، الناكبون عن صراط مستقيم، ولبراءتهم ونزاهتهم { لهم مغفرة } وعفو من الله المطلع لبراءتهم الشاهد عليها { ورزق كريم } [النور: 26] وهو الرزق الصوري والمعنوي، الذي يتلذذون به الجنة عند كشف الغطاء ورفع الحجب.
اللهم ارزقنا بلطفك من الرزق الكريم، واجعلنا بجودك من ورثة جنة النعيم.
ثم لما كان أمثال هذه الهذيانات الباطلة، والمفتريات العاطلة من نتائج الخلطة والاستئناس مع أصحاب الغفلة، وكشف الحجب، والأستار الواقعة بين ذوي القدور والاعتبار وأولي الخطر الكبار إلى من هو من السلفة الساقطين المنحطين من درجة أرباب الاستبصار.
أشار سبحانه إلى أن الاختلاط الاستئناس بين المؤمنين، لا بد وأن يكون مسبوقا بالاستئذان والاسترخاص، حتى لا يؤدي إلى أمثال هذه الخرافات، فقال: { يأيها الذين آمنوا } مقتضى إيمانكم محافظة المحبة والإخلاص بينكم، ومن جملتها: إنها { لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم } أي: بيتا من بوت إخوانكم بغتة بلا استئذان من أهلها، بل لكم أن تصبروا { حتى تستأنسوا } وتستأذنوا، وتطلبوا رخصة الدخول.
{ و } بعدما أذنتم ورخصتم { تسلموا على أهلها } بأن تقولوا:
" السلام عليكمم! أدخل أم لا؟ ثلاث مرات "
هكذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
Page inconnue