{ و } نجينا أيضا من كما لطفنا وجودنا { نوحا } وقت { إذ نادى } ودعا متوجها إلينا متضرعا { من قبل } حين كذبه قومه واستهزؤوا معه، وضربوه ضربا مؤلما بقوله:
رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا
[نوح: 26] { فاستجبنا له } عداءه وأنجحنا مطلوبه { فنجيناه وأهله من الكرب العظيم } [الأنبياء: 76] الذي هو الطوفان.
{ و } حين اضطروه وأشرفلوا على الهلاك ناجانا فزعا فجيعا بقوله:
فدعا ربه أني مغلوب فانتصر
[القمر: 10] { و } لذلك { نصرناه } وجعلناه منتصرا ناجيا { من القوم الذين كذبوا بآياتنا } الدالة على عظمة ذاتنا وكمال أسمائنا وصفاتنا، وذلك أنه دعاهم إلى الإيمان والتوحيد، وهداهم إلى صريح مستقيمن وهم امتنعوا عن القبول { إنهم } من شدة شكيمتهم وغلظ غيظهم مع أهل الحق { كانوا قوم سوء } كأنهم مغمورون فيه متخذون منه { فأغرقناهم } لذلك { أجمعين } [الأنبياء: 77] تطهيرا للأرض من فسادهم، وقلعا لعرق غيهم وعنادهم.
{ و } اذكر يا أكمل الرسل في كتابك قصة { داوود وسليمان } وقت { إذ يحكمان في الحرث } أي: زرع القوم { إذ نفشت } ودخلت { فيه غنم القوم } الآخر ليلا، فأكلته وأهكلته، فتنازعا ورفعا الأمر إليهما، واستحكما منهما فحكم داود بالغنم على صاحب الزرع، بناء على أن صاحب الغنم لا بد له أن يضبط غنمه ليلا؛ لئلا يخسر { وكنا لحكمهم } أي: لحكم داود إياهم؛ أي: لأصحاب الزرع بالغنم { شاهدين } [الأنبياء: 78] مطلعين اطلاع شهود وحضور.
وبعدما حكم داود ما حكم، وكان ابنه سليمان حاضرا عنده سامعا لحكمه { ففهمناها } أي: ألهمنا الحكومة الحقة والفتوى في هذه القضية { سليمان } وهو ابن إحدى عشرة سنة، فقال: الأرفق أن يدفع الغنم إلى أصحاب الحرث؛ لينتفعوا من ألبانها وأصوافها، والحرث إلى صاحب الغنم ليقوم بسقيها وحفظها ورعايتها، حتى يعود إلى الذي كان، ثم يترادان ويتدافعان، فقال داود لسليمان: القضاء ما قضيت، فرجع عن حكمه، وحكم بحكم ابنه { و } إن كان { كلا } منهما { آتينا حكما وعلما } أي: رشدا صوريا ومعنويا بمقتضى قابليتها واستعدادها { و } كيف لا { سخرنا مع داوود } تفضلا منا عليه وتكريما { الجبال } إلى حيث { يسبحن } ويقدسن الله عما لا يليق بجنابه معه حين اشتغل بتسبيح الله وتقديسه ازديادا لثوابه ورفعا لدرجته { و } كذا { الطير } أي: الطيور معه حين اشتغاله بتكبير الله وتنزيهه { وكنا } وبأمثاله { فاعلين } [الأنبياء: 79] لأنبيائنا وأوليائنا، ومن يتوجه نحونا من عبادنا، فلا تتعجبوا من أمثال هذا، ولا تستبعدوا عن قدرتنا أمثال إبداعها.
{ و } أيضا { علمناه } من مقام جودنا إياه { صنعة لبوس لكم } أي: الدروع، وما يلبس للدفع حين الحراب والقتل، فكانت الدروع صفائح تخلقها داود، وسردها بإلهام الله إياه وتعليمه، إنما علمناه تخليقها وسردها { لتحصنكم } وتحفظكم { من بأسكم } أي: من جراحات السهام والسنان، إذ هو أدفع لآثارهما من الصفائح، وأخف منها { فهل أنتم } أيها المنعمون المتنعمون { شاكرون } [الأنبياء: 80] لوفور نعمنا إياكم.
{ و } كذا سخرنا { لسليمان الريح } حال كونها { عاصفة } سريعة السير والحركة، آبية عن التسخير، سخرنا له حيث { تجري بأمره } وحكمه سريعة { إلى الأرض التي باركنا } أي: كثرنا الخير { فيها } لساكنيها، وكذا لجميع من يأوي إليها، وهي أرض الشام فكان يسير مع جنوده متمكنين على بساط كان فرسخا في فرسخ، منسوج من الإبريسم عملته الجن له حيث شاء، ثم يعود من يومه إلى منزله { و } لا تستبعدوا منا أمثال هذا؛ إذ { كنا بكل شيء } تعلق إرادتنا بإيجاده { عالمين } [الأنبياء: 81] بأسباب وجوده وظهوره، فنوجده على الوجه الذي نريده ونجريه على مقتضى حكمتنا وقدرتنا.
Page inconnue