403

خاتمة السورة

عليك أيها المحمدي الطالب لسلوك طريق الحق بالاستقامة التامة، والتشبث عليه بلا اعوجاج وتزلزل؛ لتهتهدي بسلوكه إلى زلال الوحدة الذاتية التي هي ينبوع بحر الوجود ومنشأ جميع الموجود أن تقتفي أثر نبيك صلى الله عليه وسلم في جميع أفعاله وأعماله، وتتخلق بأخلاقه، وتتصف بأوصافه حسبما أمكنك وقدر ما يسر لك.

ولا تهمل دقيقة من دقائق الشرع الشريف بل بك أن تتبع به صلى الله عليه وسلم في جميع ما جاء به من قبل ربه، وأنشأه من عند نفسه بلا تفحص وتفتيش عن سرائره، حتى ينكشف لك بعد الوصول إلى مرتبتك التي كلفك الحق إليها وجبلك لأجلها، فحينئذ ظهر لك جميع ما أوصاك به نبيك صلى الله عليه وسلم ورمز إليه، وصرت من أهل المعرفة والإيقان إن شاء ربك، ووفقك عليه.

وفقنا يا رب بفضلك وجودك إلى معارج عنايتك ومقر توحيدك يا ذا الجود العظيم.

[21 - سورة الأنبياء]

[21.1-6]

{ اقترب } أي: دنا وقرب { للناس } الناسين عهود ربهم التي عهدوا بها معه سبحانه وقت ظهور فطرتهم الأصلية من حمل أمانة المعارف، والحقائق وقبول أعباء الإيمان، والتوحيد، ومشاق الأعمال، والتكاليف المقربة لهم إليه { حسابهم } أي: قرب وقت حسابهم، وانتقاد أفعالهم وأعمالهم الصالحة المقبولة عند ربهم من الفاسدة المردودة دونه { وهم } مغمورون مستغرقون { في غفلة معرضون } [الأنبياء: 1] عن ربهم، وعن حسابه أياهم، بل أكثرهم معرضون عنه بحيث لا يلتفتون نحوه أصلا، بل ينكرون وجوده فكيف حسابه وعذابه؟.

لذلك { ما يأتيهم } وينزل عليهم { من ذكر } وعظة تنبههم عن سنة الغفلة، وتوقظهم عن رقدة النسيان صادر { من ربهم } بوحي { محدث } مجدد وحسب تجددات البواعث والدواعي الموجبة للإنزال على مقتضى الأزمان والأعصار { إلا استمعوه } أي: الذكر المحدث { وهم } حينئذ من غاية عمههم وسكرتهم { يلعبون } [الأنبياء: 2] به ويستهزئون مع من أنزل إليه .

{ لاهية } معه ذاهلة { قلوبهم } عن التأمل فيه، والتفكر في معناه والتدرب في رموزه وإشاراته { و } هم وإن أغفلوا نفوسهم وقلوبهم عنه لفط عتوهم واستكبارهم، لكن تفطنوا بحقيته من كمال إعجازه ومتانته، لكونهم من أرباب البلاغة والفصاحة والذكاء والفطانة، لكنهم { أسروا النجوى } أي: بالغوا في إخفاء ما يتناجوا به في نفوسهم من حقية القرآن وإعجازه؛ إذ هم { الذين ظلموا } أنفسهم بارتكاب الكفر، والمعاصي، وأنواع الضلال عنادا ومكابرة، وقصدوا أيضا إضلال ضعفاء الأنام حيث قالوا لهم على سبيل الإنكار: { هل هذآ } أي: ما هذا الشخص الحقير الذي ادعى الرسالة والنبوة والوحي والإنزال من جانب السماء { إلا بشر مثلكم } وهو من بني نوعكم لا ميزة له عليكم، والرسول المرسل من جانب السماء لا يكون إلا ملكا { أ } تميلون نحوه وتزعمونه صادقا بواسطة خوارق صدرت عنه على سبيل السحر والشعبذة مدعيا أنه معجز مع أنه ليس كذلك { فتأتون } وتحضرون { السحر وأنتم تبصرون } [الأنبياء: 3] آلاته وأدواته وتعلمون عيانا أنه سحر مفترى، هل تصدقونه أم لا؟ وهذا تسجيل وتنصيص منهم على كذب الرسول، وإغراء وتضليل على ضعفاء الأنام، وحث لهم على تكذيبه وإنكاره ما أتى به.

{ قال } يا أكمل الرسل في جوانبهم، والرد عليهم: { ربي } الذي رباني بأنواع الكرامات والمعجزات { يعلم القول } أي: جنس الأقوال والأفعال والأحوال الكائنة { في السمآء } أي: عالم الأرواح { والأرض } أي: عالم الطبيعة والأشباح { و } كيف لا يعلم ويعزب عن علمه شيء؛ إذ { هو السميع } المقصور على السمع بحيث لا يسمع سواه { العليم } [الأنبياء: 4] المستقل بالعلم لا عالم إلا هو.

Page inconnue