401

[الأعراف: 23] { فتاب عليه } أي: قبل سبحانه توبته { وهدى } [طه: 122] أي: هداه إلى مقصده الأصلي، وقبلته الحقيقية، إلا أنه سبحانه لا يبطل حكمة حكمة السابق المترتب على النهي، وهو قوله تعالى:

فتكونا من الظلمين

[البقرة: 35] الخارجين عن مقتضى الحدود الإلهية.

لذلك { قال اهبطا منها } أي: انزلا من الجنة التي هي دار الأمن والسرور إلى الدنيا التي هي دار التفرقة والغرور { جميعا } أصلا وفرعا، صديقا وعدوا، وبعد هبوطكم إليها { بعضكم } يا بني آدم { لبعض عدو } في أمور معاشكم، والشيطان عدو لكم في أمور معادكم، فتبقى هذه العداوة بينكم ما دمتم فيها، ومع أمرنا لكم بالهبوط والخروج منها إليها، لا نترككم هناك ضالين محرومين مطرودين { فإما يأتينكم مني هدى } بواسطة الرسل والكتب المنزلة عليهم فاتبعوا هداي { فمن اتبع هداي } عزيمة وقصدا صحيحا { فلا يضل } في النشأة ا لأولى لاتصافه بصفاتنا { ولا يشقى } [طه: 123] في النشأة الأخرى لفنائه فينا وبقائه ببقائنا.

{ ومن أعرض عن ذكري } أي: كتابي الجاري على ألسنة رسلي الهادين عن الضلال { فإن له } أي: ثبت له وحق ما دام دار الدنيا { معيشة ضنكا } ضيقا يضيق قلبه؛ بحيث لا يسع فيه غير التفكر في أمر المعاش { و } إذا انتقل منها { نحشره يوم القيامة } الكبرى { أعمى } [طه: 124] أي: يصور إعراضه عن الحق في الدنيا على صورة العمى في الآخرة.

حيث { قال } تحسرا وتحزنا: { رب لم حشرتني أعمى } في الآخرة { وقد كنت بصيرا } [طه: 125] في الدنيا.

[20.126-135]

{ قال } سبحانه توبيخا عليه وتقريعا: { كذلك } أي: مثل ذلك فعلت بنا حين { أتتك } بلسان الأنبياء { آياتنا } لهدايتك وإصلاح حالك { فنسيتها } ونبذتها وراء ظهرك فكانت نسبتك إليها كنسبة الأعمى إلى الأشياء المحسوسة { وكذلك } أي: كالمنبوذ وراء الظهر { اليوم تنسى } [طه: 126] أنت في جهنم العبد والحرمان.

{ وكذلك } أي: مثل نسيان من أعرض في العذاب { نجزي } ونترك منسيا في جهنم { من أسرف } وأفرط في الإعراض عن الله ورسله بمتابعة العقل واعتباراته ومضى عليها زمانا { ولم يؤمن } أي: لم يذعن ولم يوقن { بآيات ربه } النازلة على أنبيائه ورسله، ولم ينتبه لمرموزاتها ومكنوناتها { و } الله وإن احتمل الشدائد، وارتكب المتاعب في تحصيل تلك الاعتبارات { لعذاب الآخرة } في شأنه لاشتغاله بغير الله وإعراضه عن آياته { أشد } من شدائد ذلك التحصيل { وأبقى } [طه: 127] وأدوم وباله من النخوة المترتبة عليها.

{ أ } ينكر القريشي بآياتنا ويصر على إنكارها، ولم يذكر عذابنا لمنكري آياتنا { فلم يهد لهم } ولم يرشدهم لم يذكرهم إهلاكنا الأمم السالفة بسبب إنكار الآيات وتكذيب الرسل؛ إذ { كم أهلكنا قبلهم من القرون } أي: أهلكنا كثيرا من أهل القرون الماضية حين { يمشون في مساكنهم } أمثالهم أصحاء سالمين فجاءهم بأسنا بياتا أ, نهارا، فجعلناهم هالكين فانين، كأن لم يكونوا موجودين أصلا لإعراضهم عنا وتكذيبهم آياتنا ورسلنا { إن في ذلك } الإهلاك { لآيات } دلائل ظاهرة على قدرتنا على الانتقام على المعرضين المكذبين لكتبنا ورسلنا، لكن لا تحصل تلك الدلائل إلا { لأولي النهى } [طه: 128] أصحاب العقول المنتهية مقتضى عقولهم إلى الشهود.

Page inconnue