{ و } لا تبال يا أكمل الرسل بهم، وبما عندهم من حطام الدنيا ومزخرفاتها الفانية، ولا تحزن على أذاهم، فإنا من مقام جودنا وفضلنا { لقد آتيناك } وأعطيناك تتميما لتكريمك وتعظيمك { سبعا } أي: سبع آيات { من المثاني } أي: الفاتحة التي تثني نزولها تارة بمكة، وتارة بالمدينة على عدد الصفات السبع الإلهية؛ ليكون لك حظ من جيمعها، والسبع الطباق الفلكية والكواكب السبعة، والأقاليم السبعة الأرضية، والمشتهيات السبعة الدنيوية المذكورة في كريمة:
زين للناس حب الشهوات
[آل عمران: 14] لتكون عوضا عنها، والأدوية السبعة الجهنمية؛ لتكون منجية منها، فتكون الفاتحة أعظم وأولى من الدنيا وما فيها.
{ و } مع ذلك لا تقتصر عليها، بل آتيناك { القرآن العظيم } [الحجر: 87] الجامع لفوائد ما في الكتب السالفة، الناسخ لها، المعجز لجميع من أتى بمعارضته ومقابلته.
فعليك بعدما اصطفيناك يا أكمل الرسل من بين سائر الأنبياء بأمثال هذه الكرامات أن { لا تمدن عينيك } نحوهم، ولا تنظر نظر متحسر راغب، بل نظر معتبر كاره { إلى ما متعنا به } من الزخارف { أزواجا منهم } أي: أصنافا من الأمتعة معطاه منها للكفرة ابتلاء لهم، بحيث صاروا بها مفتخرين، بطرين بين الناس { ولا تحزن عليهم } بعد اتباعهم لك وإيمانهم بك؛ إذ هذه المزخرفات الدنية تحجبهم عن الإيمان، وتعوقهم عن العرفان؛ لأنهم مفتونون بها { واخفض جناحك } وابسطها كل البسط { للمؤمنين } [الحجر: 8] الذين يتبعونك عن خلال القلب، وصفاء القريحة بلا شوب الرياس والسمعة، وشين الأهوية الفاسدة.
[15.89-99]
{ وقل } للمعاندين المنكرين: { إني } بإذن ربي ووحيه إلي { أنا النذير المبين } [الحجر: 89] والمنذر المبين، أنذركم ببيان واضح، وبرهان لائح، نازل علي من ربي أن العقاب والعذاب سينزل على من لم يؤمن بالله، وبوحدة ذاته، وصفات كماله.
{ كمآ أنزلنا } أي: مثل العذاب الذي أنزلناه من قبل { على المقتسمين } [الحجر: 90] وهم الرهط الذي تقاسموا أن يبيتوا صالحا.
والمقتسمون اليوم هم { الذين جعلوا القرآن } المعجز لفظا ومعنى، نصا ولادلة، اقتضاء ومطلعا { عضين } [الحجر: 91] أي: ذي أجزاء مختلفة، بعضها حق، لأنه مطابق للكتب السالفة، وبعضها باطل؛ لأنه مخالف لها، وبعضها شعر، وبعضها كهانة، مع أن الكل هداية لا ضلال فيها أصلا، تعالى شأنه وكتابه عما يقولون علوا كبيرا.
{ فوربك } يا أكمل الرسل وعزته وجلاله { لنسألنهم أجمعين } [الحجر: 92] أي: عن جميعهم على التفضيل.
Page inconnue