{ ويقوم } الناكبين عن طريق الحق المصرين على الباطل { اعملوا على مكانتكم } وعلى مقتضى مرتبتكم ونشأتكم أي عمل شتئم { إني } أيضا { عمل } على شأني { سوف تعلمون } أنتم وأنا أيضا { من يأتيه عذاب يخزيه } ويريده { ومن هو كذب } منا بالله وبسر ربوبيته وتوحيده { وارتقبوا } أي: انتظروا وترقبوا بالعذاب والنكال { إني معكم رقيب } [هود: 93] منتظر.
{ ولما جآء } ونفذ { أمرنا } بأهلاكهم { نجينا } وأخرجنا أولا من بينهم { شعيبا } الناجي { والذين آمنوا معه } وامتثلوا بما أمروا به من عندنا { برحمة } نازلة { منا } إياهم تفضلا { وأخذت الذين ظلموا } أنفسهم حين صاروا في فراشهم بائتين { الصيحة } الهائلة { فأصبحوا في ديارهم } التي كانوا مترفهين فيها { جاثمين } [هود: 94] جامدين وأجسادهم بلا روح.
وصاروا { كأن لم يغنوا } ولم يسكنوا { فيهآ } فصاح عليهم من صاح من أرباب الفطنة والعبرة: { ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود } [هود: 95].
[11.96-101]
وبعدما انقرض أولئك الطغاة الغواة المنهمكين في الغي والضلال، المفسدين في الأرض بأنواع الإفساد والإضلال { ولقد أرسلنا } حين حدث على الأرض أمثال أولئك الهالكين بل أسوأهم حالا وأقبحهم شيمة وخصالا وأشدهم بغضا وشيكمة على الحق وأهله، عبدنا { موسى } المخصص من عندنا بتكليمنا { بآياتنا } الدالة على توحيدنا واستقلالنا في ملكنا وملكوتنا { وسلطان } أي: أبدناه من عندنا بحجة واضحة وبرهان { مبين } [هود: 96] ظاهر الدلالة على صدقه في دعواه عند من له أدنى مسكة.
{ إلى فرعون } الذي هو رأس أهل الضلال ورئيسهم إلى حيث تبعوه بالألوهية من غاية عتوه واستكباره { وملئه } المعاونين له في أمره وشأنه، ثم لما أملهنا زمانا على غروره ورفعنا قدره في هذه الدنيا مسرورا؛ تغريرا عليه { فاتبعوا } من على الأرض { أمر فرعون } وامتثلوا بمقتضاه { و } الحال أنه { مآ أمر فرعون برشيد } [هود: 97] هاد إلى الحق، موصل إلى مقصد التوحيد، بل هو غار موصل إلى نار الخذلان وسعير الحرمان.
إذ هو بنفسه { يقدم قومه } أي: يتقدم عليهم { يوم القيامة } التي انكشفت فيها السرائر واضمحلت الأوهام { فأوردهم النار } مثل إبراهيم على ماء نيل في دار الدنيا، شبه حالهم في النشاة الأخرى بحالهم في النشأة الأولى، لذلك عبر عنه بالإيراد { وبئس الورد المورود } [هود: 98] ونار الخذلان وجحيم الحرمان.
{ و } هم من غاية خبثهم وفسادهم { أتبعوا في هذه } النشاة { لعنة } دائمة مستمرة { و } يلعنون أيضا { يوم القيامة } بأضعاف هذه اللعنة، وبالجملة: { بئس الرفد } أي: العون والعطاء { المرفود } [هود: 99] أي: المعان والمعطى رفدهم التي هي طردهم في الدارين ولعنهم في النشأتين.
{ ذلك } المذكور { من أنبآء القرى } وأخبارهم وما جرى عليهم { نقصه عليك } بالوحي يا أكمل الرسل ليكون عبرة لك ولمن تبعك مشاهدة وتذكيرا { منها } أي: من تلك القرى { قآئم } جدرانها بلا سقوف { و } منها ما هو { حصيد } [هود: 100] مدروس مندك، كالزرع المحصود، عفت آثاره واندرست أطلاله.
{ و } بالجملة: { ما ظلمناهم } بإهلاكهم وتخريب ديارهم { ولكن } هم { ظلموا أنفسهم } باتخاذ مصنوعاتنا آلهة أمثالنا مستحقة للعابدة، ظنا منهم أن آلهتهم تنفعهم لدى الحاجة وتشفعهم وقت الشفاعة { فما أغنت عنهم } أي: كفت ودفعت عنهم { آلهتهم التي يدعون من دون الله } ظلما وزروا { من شيء } أي: شيئا قليلا من القضاء { لما جآء } أي: حين جاء { أمر ربك } يا أكمل الرسل، وحين نزل عذابه وحل عقابه إياه، بل { وما زادوهم } آلهتهم حين حلول العذاب عليهم { غير تتبيب } [هود: 101] أي: هلاك وتخسير؛ لأنهم بسبب عبادة هؤلاء صاروا مطرودين عن سعة رحمة الله وجوده.
Page inconnue