روي أنه عليه السلام ركب السفينة عاشر رجب، ونزل عليها عاشر المحرم، فصام ذلك اليوم، فصار سنة له على من بعده، وهو يوم عاشوراء { و } بعد إهلاك ألئك العصاة الغواة الكفرة { قيل } من قبل الحق: { بعدا } أي: مقتا وهلاكا { للقوم الظالمين } [هود: 44] الخارجين عن مقتضى الوحي الإلهي، المكذبين لرسله، وطردا لهم عن ساحة الحضور بحيث لا يرجى قربهم أصلا.
{ و } بعدما وقع ما وقع { نادى } وناجى { نوح ربه } باثا له شكواه في حق ابنه { فقال رب إن ابني } أيضا { من أهلي } وأنتم بفضلك وعدتني بإنجاء أهلي { وإن وعدك } الذي به { الحق } الصدق لا خلف فيه { وأنت أحكم الحاكمين } [هود: 45] أي: أقسطهم وأعدلهم بأحكام جميع الحكام راجع إليك.
{ قال } سبحانه مجيبا له مزيلا لشكواه: { ينوح إنه } بسبب اعتزاله عنك ون دينك { ليس من أهلك } إذ لا قرابة ولا ألفة بين المؤمن والكافر، وكيف يكون من أهلك { إنه } من غابة فسقه وفساده { عمل غير صالح } كأنه مغمور فيه مجسم منه لا يرجى صلاحه أصلا { فلا تسئلن } متعرضا معترضا على { ما ليس لك به علم } لوروده علي { إني أعظك } وأذكر لك { أن تكون من الجاهلين } [هود: 46] أي: كونك بذهولك عما نبهت عليك بالاستثناء السابق؛ يعني
إلا من سبق عليه القول
[هود: 40].
{ قال } نوح معتذرا إلى ربه، مستحييا منه: { رب إني } بعد ظهور خطئي وذلتي { أعوذ بك أن أسألك } بعد هذا { ما ليس لي به علم } أي: { وإلا تغفر لي } زلتي وسوء أدبي { و } لم { ترحمني } بفضلك وجودك { أكن من الخاسرين } [هود: 47] خسرانا مبينا.
{ قيل } من بل الله بعدما غاض الماء واستوت السفينة وانكشفت الأرض ويبست: { ينوح اهبط } انزل من السفينة أنت ومن معك وما معك مقرونا { بسلام } أي: سلامة ونجاة وأمن ناشئ { منا } عليك تفضلا وامتنانا { وبركات } أي: خيرات ومبرات كثيرة نازلة منا { عليك } أصالة { وعلى أمم ممن معك } تبعا، سماهم أمما باعتبار المآل { و } من ذرية من معك { أمم سنمتعهم } ونربيهم في النشأة الأولى بأنواع النعم { ثم يمسهم منا } في النشأة الأخرى بسبب كفرهم وفسقهم { عذاب أليم } [هود: 48] مؤلم بدل ما يتلذذون بنعم الدنيا، ويكفرون بها.
{ تلك } أي: قصة نوح عليه السلام { من أنبآء الغيب } أي: بعض أخباره { نوحيهآ إليك } يا أكمل الرسل؛ تعليما لك وتذكيرا لأمتك { ما كنت تعلمهآ أنت ولا قومك } بالدراسة والتعليم { من قبل هذا } الوحي والإنزال، وإن طعن المشركون لك ونسبوك إلى الكذب والافتراء { فاصبر } على أذياتهم، وكن في تبليغك على عزيمة صحيحة { إن العاقبة } الحميدة والآخر الجزيل في النشأة الأخرى { للمتقين } [هود: 49] الذين يحفظون نفوسهم عن الميل إلى البدع والأهواء، ويصبرون على المكاره والأذى، حتى يتحققوا بمقام الرضا ويفوزوا بشرف اللقاء.
[11.50-53]
{ و } بعدما تناسل قوم نوح وتكاثرت أمم منهم، فاستكبروا عن طريق التوحيد واتخذوا الأصنام والأوثان آلهة، أرسلنا { إلى عاد } العادين عن طريق الحق، المتجاوزين عن صراط التوحيد ظلما وعدوانا { أخاهم هودا } ليهديهم إلى طريق الحق وصراط مستقيم { قال } بعدما أوحينا إليه آذنا له بتذكير قومه: { يقوم } أضافهم إلى هفسه تحننا و إشفاقا على ما هو مقتضى الإرشاد { اعبدوا الله } الواحد الأحد الصمد الذي لا إله إل هو واعتقدوا { ما لكم من إله } يعبد بالحق ويرجع إليه ما في الأمور { غيره } إذ لا موجود سواه ولا إله إلا هو { إن أنتم } أي: ما أنتم بعدما ظهر الحق باتخاذ الأوثان آلهة غيره { إلا مفترون } [هود: 50] مبطلون في اتخاذها افتراء ومراء.
Page inconnue