234

{ فإن رجعك الله } وردك من غزوتك هذه؛ أي: غزوة تبوك { إلى طآئفة منهم } أي: من المستخلفين، المستأذنين الذين قعدوا في المدينة بلا عذر، وبعدما قصدت عزوة أخرى { فاستأذنوك للخروج } تلاقيا لما مضى { فقل } لهم: { لن تخرجوا معي } إلى الجهاد { أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا } أصلا { إنكم } قوم { رضيتم بالقعود } والتخلف { أول مرة } بلا عذر بل عن عذر وخديعة { فاقعدوا } دائما { مع الخالفين } [التوبة: 83] المعذورين من النساء والصبيان، والزمنى والمرضى.

{ و } متى ظهر لك حا ل أولئك الغواة، الطغاة الهالكين في البغض والنفاق { لا تصل على } ولا تدع ل { أحد منهم مات أبدا } أي: بعد ورود النهي أصلا { ولا تقم على قبره } لتستغفر له { إنهم } من خبث بواطنهم { كفروا بالله ورسوله } في حال حياتهم { وماتوا } على الكفر أيضا { وهم فاسقون } [التوبة: 84] مجبولون على الفسق في أصل فطرتهم.

{ و } بعدما تحقق عندك، وظهر كفرهم وفسقهم { لا تعجبك أمولهم وأولدهم } التي هي وبال عليهم { إنما يريد الله } المضف المذل لعصاة عباده { أن يعذبهم بها في الدنيا } بأنواع الحوادث والمصيبات { وتزهق أنفسهم } وميلهم ومحبتهم منوطة بها { وهم كفرون } [التوبة: 85] بالله، غير معتبرين معترفين بألوهيته وربوبيته.

[9.86-90]

{ و } من شدة نفاقهم وبغضهم مع الله ورسوله { إذآ أنزلت سورة } من القرآن ناطقة { أن آمنوا } أيها المكلفون { بالله وجاهدوا مع رسوله } في سبيله { استأذنك أولوا الطول } والسعة { منهم } أي: صناديدهم وعظماؤهم؛ خوفا من أموالهم وأنفسهم { وقالوا ذرنا } ودعنا { نكن مع القاعدين } [التوبة: 86] المعذورين الغير القادرين.

وبالجملة: { رضوا } أولئك الغواة مع قوتهم وسعتهم { بأن يكونوا مع الخوالف } أي الضعفاء الفاقدين للقوة والسعة { و } ما ذلك إلا أن { طبع } وختم { على قلوبهم } بالكفر والضلال { فهم لا يفقهون } [التوبة: 87] قبح ما جاءوا به من المخالفة والقعود مع أولئك المعذورين، ولذلك لم يأتوا بالمأمور، ولم يتمثلوا به.

{ لكن الرسول والذين آمنوا معه } امتثلوا لأمر الله، وانقادوا لحكمه سمعا وطاعة، لذلك { جاهدوا بأموالهم وأنفسهم } في سبيل الله؛ ابتغاء لمرضاته وتثبيتا في دينه { وأولئك } المؤمنون المجاهدون { لهم الخيرات } المثوبات العظمى، والدرجات العليا عند الله { وأولئك هم المفلحون } [التوبة: 88] الفائزون من عنده بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

وبالجملة: { أعد الله } المجازي لخلص عباده { لهم } أي: لهؤلاء المجاهدين المرابطين قلوبهم مع الله ورسوله، الباذلين مهجهم في سبيله { جنات } منتزهات علمية وعينية وحقية { تجري من تحتها الأنهار } أنهار الشهود والكشوف والواردات والإلهامات، لا دفعة ولا دفعات، بل { خالدين فيها } أبدا { ذلك الفوز العظيم } [التوبة: 89] واللطف العميم لهؤلاء المختصين بالعناية الأزلية والسعادة السرمدية.

{ و } متى جاءت ونزلت سورة ناطقة بالقتال والجهاد { جآء المعذرون } بالأعذار الكاذبة ومن في قلوبهم مرض { من الأعراب } الذين لا اطمئنان لهم في الأيمان { ليؤذن لهم } بالقعود وعدم الخروج إلى الجهاد { وقعد } المصرون { الذين كذبوا الله ورسوله } من غير مبالاة بأمر الله وإطاعة رسوله، لا تبال بهم وبمخالفتهم وكذبهم؛ إذ { سيصيب الذين كفروا منهم } بعد افتضاحهم وظهور نفاقهم { عذاب أليم } [التوبة: 90] في الدنيا والآخرة، لا نجاة لهم أصلا.

[9.91-93]

Page inconnue