222

وبالجملة: { قاتلوهم } حيث وجدتموهم، فإنكم منصورون عليهم { يعذبهم الله بأيديكم } بأنواع العذاب من الأسر والقتل والإجلاء { ويخزهم } أي: بذلهم ويهينهم ما بقي منهم من ذرياتهم { وينصركم } دائما { عليهم ويشف } بقهرهم وإذلالهم { صدور قوم } غرباء { مؤمنين } [التوبة: 14] حيث صارت قلوبهم مرضى من وعيدات أولئك الطغاة الغواة، المتجبرين المستكبرين.

{ ويذهب } بقتل أولئك الكفرة، وقمعهم واستئصالهم { غيظ قلوبهم } أيما حدث وخدش في قلوب هؤلاء الغرباء المؤمنين الذين تركوا أوطانهم؛ لحب دين الإسلام من استيلاء الكفار وكثرة عددهم وعددهم، وجاههم ومالهم { ويتوب الله على من يشآء } أي: يصرف ويرجع من الباطل؛ بسبب قلعهم وقمعهم من في قلوبهم مرض من الأقاصي والأداني { والله } المطلع لضمائر عباده { عليم } بمخايلهم وأمراض قلوبهم { حكيم } [التوبة: 15] في علاجها ودفعها.

ثم قال سبحانه على وجه التشنيع للمؤمنين؛ تحريكا لحمية الإيمان: { أم حسبتم } وظننتم أيها المؤمنون الكارهون للقتال، المتقاعدون عن امتثال الأوامر الواقعة فيه { أن تتركوا } على ما أنتم عليه، ولا تؤمروا بالقتال من بعد { و } زعمتم زعما فاسدا { لما يعلم الله } ولما يفصل ويميز بعلمه الحضوري { الذين جاهدوا منكم } في سبيله مخلصين خالصا لرضاه.

{ و } مع ذلك { لم يتخذوا من دون الله } { ولا } من دون { رسوله } المستخلف منه، النائب عنه { ولا } من دون { المؤمنين } المرابطين قلوبهم مع الله ورسوله { وليجة } أي: بطانة ومرجعا يوالونهم ويفشون إليهم سرائرهم، بلى إن الله عليم بجميع ما صدر عنكم من علامات الإخلاص وأمارات النفاق { والله } المطلع لجميع أحوالكم { خبير بما تعملون } [التوبة: 16] أي: تتخيلون وتحضرون من التكاسل والتواني والإلجاء إلى الأعداء والرجوع إليهم في خلواتكم وأسراركم.

[9.17-18]

ثم قال سبحانه: { ما كان } أي: ما صح وجاز { للمشركين } المصرين على الشرك والعناد { أن يعمروا مسجد الله } المعدة لأهل الإيمان ليعبدوا فيها حتى يتحققوا بمقام المعرفة والتوحيد حال كونهم { شهدين على أنفسهم بالكفر } والشرك قولا وفعلا وشركهم مناف لتعميرها؛ إذ { أولئك } البعداء الهالكون في تيه الضلال { حبطت } أي: سقطت عن درجة الاعتبار { أعملهم } الصالحة عند الله بحيث لا ينفعهم أصلا؛ لمقارنتها بالشرك بل { و } مآل أمرهم { في النار } المعدة لأهل الشرك والضلال { هم خلدون } [التوبة: 17] لا نجاة لهم أصلا، سواء صدر عنهم الأعمال الصالحة أم لا.

بل { إنما يعمر مسجد الله } المعدة لخلاء العبادة والتوجه نحو الحق والمناجاة معه { من ءامن بالله } وتحقق بمرتبة اليقين العلمي في توحيده { واليوم الآخر } الذي يصير الكل إليه { وأقام الصلوة } أي: أدام الميل والرجوع نحو الحق دائما { وءاتى الزكوة } تخفيفا وتطهيرا لنفسها عن العلائق العائقة عن التوجه الحقيقي الحقي { ولم يخش إلا الله } أي: لم يكن في قلبه خضية من فوات شيء أصلا إلا من عدم قبول الله أعماله، ومن عدم رضاه سبحانه منه { فعسى } وقرب { أولئك } السعداء الأماء، الباذلون جهدهم في طريق التوحيد، المشتاقون إلى فضاء الفناء { أن يكونوا من المهتدين } [التوبة: 18] المتحققين في مقام الرضا والتسليم وإن وفقوا بالإخلاص من عنده.

اصنع بنا ما تحب أنت وترضى يا دليل الحائرين.

[9.19-22]

{ أجعلتم } أي: صيرتم وسويتم أيها المشركون المعاندون المكابرون { سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام } مع كونها صادرتين عنكم، وأنتم على شرككم وضلالكم { كمن آمن بالله } أي: كإيمان من آمن بتوحيد الله { واليوم الآخر } المعد لجزاء الأعمال { وجاهد } بماله ونفسه { في سبيل الله } لإعلاء دينه وكلمة توحيده؟! كلا وحاشا { لا يستوون عند الله } عملة السقاية وعمارة المساجد مع المؤمنين الموقنين بتوحيد الله المجادهين في سبيله لنصرة دينه { والله } الهادي لعباده إلى توحيده { لا يهدي القوم الظالمين } [التوبة: 19] الخارجين عن مقتضى أوامره ونواهيه المنزلة على رسله وأنبيائه.

Page inconnue