اذكر يا أكمل الرسل، وذكر من تبعك فضل الله عليك وعلى أصحابك وقت { إذ يوحي ربك إلى الملائكة } المأمورين؛ لعونك وإمدادك حين ازداد رعب أصحابك من اقتحام القتال، قائلا له: { أني } بكمال حولي وقوتي { معكم } حاضر عندكم، شهيد عليكم { فثبتوا الذين آمنوا } في مكانهم تجاه العدو حتى يستدبروا؛ إذ { سألقي } من كما لنصري وعوني للمؤمنين { في قلوب الذين كفروا } أي: قلوب العدو { الرعب } من المؤمنين فاستكثروهم واستدبروا منهم، ومتى استدبر العدو { فاضربوا } أيها المؤمنون { فوق الأعناق } أي: أعاليها { و } إن وضعوا جننهم وأيديهم على أعناقهم؛ حفظا لها { اضربوا منهم كل بنان } [الأنفال: 12] أي: جميع أصابعهم؛ لئلا يبقى لهم استعداد للقتال أصلا؛ حتى لا يكروا عليكم.
{ ذلك } أي انهزامهم وانخذالهم { بأنهم شآقوا الله ورسوله } أي: خاصموا وخالفوا مع الله ورسوله { ومن يشاقق الله } القادر المقتدر على كل ما أراد من القهر والانتقام { و } يخاصم { رسوله } المؤيد من عنده؛ لتبليغ الأحكام استحق انواع العقوبة والنكال من عنده { فإن الله } المتعزز برداء العظمة والجلال { شديد العقاب } [الأنفال: 13] صعب الانتقام سريع الحساب على من خالف أمره وعادى رسوله.
{ ذلكم } أي: أنواع العقوبة والعقاب نازل على من تعدى حدود الله وكذب رسوله { فذوقوه } أيها المخالفون المصرون ما أعد لكم من العذاب { و } اعلموا { أن للكافرين } المصرين المتمردين { عذاب النار } [الأنفال: 14] يخلدون فيها أبد الآباد.
[8.15-18]
ثم قال سبحانه: { يأيها الذين آمنوا } مقتضى إيمانكم: إعلاء كلمة الحق وانتصار دينه، فعلكيم { إذا لقيتم الذين كفروا } أن تقاتلوا معهم، وإن كانوا { زحفا } متكثرين بأضعافكم { فلا تولوهم الأدبار } [الأنفال: 15] أي: لا ترجعوا منهم حين الالتقاء إلى أدباركم خالئفين منهزمين حال كونهم بأضعافكم، فكيف إن كانوا مثلكم أو أقل منكم؟!.
{ ومن يولهم } منكم { يومئذ } إلى يوم ملاقاة العدو { دبره } أي: مدبرا خائفا { إلا متحرفا لقتال أو متحيزا } أي: قاصدا بالاستدبار التحيز واللحوق { إلى فئة } ثابتة من المؤمنين؛ ليستعين بهم { فقد بآء } أي: رجع ولحق { بغضب } نازل { من الله } لمخالفة أمره وحكمه، وحكمته { ومأواه } في النشأة الأخرى { جهنم } العبد والخذلان { وبئس المصير } [الأنفال: 16] مرجعه ومصيرهز
وعليكم أيها المؤمنون ألا تنسبوا القتل، بل جميع ما صدر منكم إلى نفوسكم مفاخرة ومباهاة، بل إن قتلتموهم صورة { فلم تقتلوهم } حقيقة { ولكن الله قتلهم } لأن جميع الأمور الكائنة في الآفاق صادرة من الله أولا وبالذات، ومن آثار أوصافه وأسمائه { و } بالجملة: { ما رميت إذ رميت } أيها النبي المأمور برمي الحصا حين هجوم الأعداء على أصحابك { ولكن الله رمى } أي: أوجد سبحانه الرمي بيدك التي هي
يد الله فوق أيديهم
[الفتح: 10]؛ لذلك ترتب على رميك انهزامهم الذي يستبعدونه أنتم وهؤلاء أيضا.
{ و } إنما رماهم سبحانه بما رمى { ليبلي } ويجرب { المؤمنين منه بلاء حسنا } أي: بنعمة الغنيمة والظفر، هل يرجعون ويواظبون على شكر نعمه أم لا؟ { إن الله } المصلح لأحوال عباده { سميع } يسمع مناجاتهم الصادرة منهم على وجه الخلوص { عليم } [الأنفال : 17] بحاجاتهم التي يحتاجون إليها في معاشهم ومعادهم.
Page inconnue