ثم لما نهى سبحانه المؤمنين عن موالاة الكفار وودادتهم، وبالغ فيه، أراد أن ينبه على من يستحق الولاية والودادة وحقيقته، فقال: { إنما وليكم الله } المتولي لأموركم بالولاية العامة { ورسوله } النائب عنه، المستخلف له { والذين آمنوا } بالله، بالولاية الخاصة بمتابعته صلى الله عليه وسلم، وهم { الذين يقيمون } يديمون { الصلاة } المقربة إلى الحق { ويؤتون الزكاة } المصفية لبواطنهم عن التوجه نحو الغير { و } الحال { هم راكعون } [المائدة: 55] خاضعون في صلاتهم، نزلت في علي - كرم الله وجهه - حين سأله سائل، وهو راكع في صلاته، فرمى له خامته.
{ ومن يتول الله } ويفوض أمره إليه، ويتخذه وكيلا { ورسوله } الذي ظهر على صورته، ونزل في شأنه
من يطع الرسول فقد أطاع الله
[النساء: 80] { والذين آمنوا } طلبا لرضاه، فهم من حزب الله وجنوده، يحفظهم في حفظه وحمياته، ويغلبهم على من يصول إليهم { فإن حزب الله } القادر، المقتدر على كل ما أراد وشاء { هم الغالبون } [المائدة: 56] الواصلون إلى جميع مقاصدهم، بفضل الله وسعة جوده.
[5.57-60]
{ يأيها الذين آمنوا } عليكم أن { لا تتخذوا الذين اتخذوا } من غاية بغضهم ونفاقهم { دينكم } الذي هو أقدم الأديان وأقسطها { هزوا ولعبا } يستهزئون ويسخرون به؛ استخفافا واستهانة لأهله { من الذين } يدعون الدين والإيمان، والإطاعة والانقياد افتراء ومراء؛ لأنهم { أوتوا الكتاب من قبلكم } متلبسا بالحق، لم يمتثلوا به، ولم يعملوا بمقتضاه، ولم يصدقوا الرسل الذين أنزل إليهم الكتاب، بل يكذبونهم، ويقتلونهم؛ ظلما وعنادا من كفرهم الأصلي، وشركهم الجبلي.
{ و } خصوصا { الكفار } الذين أشركوا بالله المتوحد بذاته، المنزه عما ينسبونه إليه { أوليآء } يوالونهم، ويحبونهم، كموالاة بعضكم بعضا؛ إذ هم أعداء لله ولرسوله وللمؤمنين { واتقوا الله } عن موالاة أعدائه { إن كنتم مؤمنين } [المائدة: 57] موقنين به ومصدقين لرسوله.
{ و } من غاية بغضهم وغيظهم منهم { إذا ناديتم } وأذنتم { إلى الصلاة } المقربة نحو الحق { اتخذوها هزوا ولعبا } تلك الملاعبة والاستهزاء، والمجادلة والمراء مع الأمناء العرفاء بالله { ذلك بأنهم قوم } جهلاء بمقتضى الربوبية، غفلاء عن مرتبة الألوهية وبالجملة: هم سفهاء في أنفسهم { لا يعقلون } [المائدة: 58] ولا يصرفون العقل الجزئي المفاض لهم من الحق بمعرفة المبدأ والمعاد إلى ما خلق لأجله، ومع ذلك ينكرون العقلاء الشاكرين، الصارفين عقولهم وجميع جوارحهم وأعضائهم إلى ما جبل لأجله من الأعمال المفربة نحو التوحيد الإلهي.
{ قل يأهل الكتاب هل تنقمون منآ } وتنكرون علينا، وتستهزئون بنا { إلا أن آمنا بالله } المتوحد، المتفرد بذاته، المتجلي على الآفاق بالاستحقاق { و } آمنا أيضا { مآ أنزل إلينا } لتبيين توحيده { و } كذا آمنا { مآ أنزل من قبل } من الكتب على الرسل الماضين لإهداء طريق الحق { و } تعلمون أنتم أيضا يقينا { أن أكثركم فاسقون } [المائدة: 59] خارجون عن الإيمان وجادة التوحيد، ولا تظهرونه؛ عنادا ومكابرة، ويستهزئون مع أهل الحق تجاهلا؛ حفظا لكم ورئاستكم.
{ قل } لهم يا أكمل الرسل تبكيتا وإلزاما: { هل أنبئكم } وأخبركم { بشر من ذلك } الدين الذي أنتم تنقمون منه؛ مكابرة { مثوبة } عائدة، وجزاء مرتبا عليه، ثابتا { عند الله } قبحه وديدنه { من لعنه الله } طرده عن قبوله { وغضب عليه } بأن أخرجه من رتبة خلافته ونيابته { وجعل منهم القردة والخنازير } المنعزلة عن إدراك الحق { وعبد الطاغوت } أي: الأهوية الباطلة، المضلة عن الهداية إلى طريق الحق { أولئك } المطرودون، المغضوبون، الممسوخون عن مقتضى الإنسانية { شر مكانا } منزلة ومكانة عند الله { وأضل عن سوآء السبيل } [المائدة: 60] الذي هو الاعتدال الإنساني، المنعكس عن الاعتدال الإلهي.
Page inconnue