Tafsir al-Baghawi
معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي
Chercheur
حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش
Maison d'édition
دار طيبة للنشر والتوزيع
Numéro d'édition
الرابعة
Année de publication
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
عَلَى عِبَادِهِ ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي﴾ أَيْ بِامْتِثَالِ أَمْرِي ﴿أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ بِالْقَبُولِ وَالثَّوَابِ.
قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: أَرَادَ بِهَذَا الْعَهْدِ مَا ذَكَرَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ "وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وبعثنا منهم حفظ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا إِلَى أَنْ قَالَ -لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ" (١٢-الْمَائِدَةِ) فَهَذَا قَوْلُهُ: "أُوفِ بِعَهْدِكُمْ". وَقَالَ الْحَسَنُ هُوَ قَوْلُهُ "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ" (٦٣-الْبَقَرَةِ) فَهُوَ شَرِيعَةُ التَّوْرَاةِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ هُوَ قَوْلُهُ "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ" (٨٣-الْبَقَرَةِ) وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: عَهِدَ اللَّهُ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ مُوسَى: إِنِّي بَاعِثٌ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ نَبِيًّا أُمِّيًّا فَمَنِ اتَّبَعَهُ وَصَدَّقَ بِالنُّورِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ غَفَرْتُ لَهُ ذَنْبَهُ وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ وَجَعَلْتُ لَهُ أَجْرَيْنِ اثْنَيْنِ: وَهُوَ قَوْلُهُ: "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ" (١٨٧-آلَ عِمْرَانَ) يَعْنِي أَمْرَ مُحَمَّدٍ ﷺ.
﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ فَخَافُونِي فِي نَقْضِ الْعَهْدِ. وَأَثْبَتَ يَعْقُوبُ الْيَاءَآتِ الْمَحْذُوفَةَ فِي الْخَطِّ مِثْلَ فَارْهَبُونِي، فَاتَّقُونِي، وَاخْشَوْنِي، وَالْآخَرُونَ يَحْذِفُونَهَا عَلَى الْخَطِّ
﴿وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ﴾ يَعْنِي الْقُرْآنَ ﴿مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ﴾ أَيْ مُوَافِقًا لِمَا مَعَكُمْ يَعْنِي: التَّوْرَاةَ، فِي التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْأَخْبَارِ وَنَعْتِ النَّبِيِّ ﷺ، نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَأَصْحَابِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ وَرُؤَسَائِهِمْ (١) ﴿وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ أَيْ بِالْقُرْآنِ يُرِيدُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، لِأَنَّ قُرَيْشًا كَفَرَتْ قَبْلَ الْيَهُودِ بِمَكَّةَ، مَعْنَاهُ: وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ مَنْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ فَيُتَابِعْكُمُ الْيَهُودُ على ذلك فتبوؤا بِآثَامِكُمْ وَآثَامِهِمْ ﴿وَلَا تَشْتَرُوا﴾ أَيْ: وَلَا تَسْتَبْدِلُوا ﴿بِآيَاتِي﴾ بِبَيَانِ صِفَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ أَيْ عَرَضًا يَسِيرًا مِنَ الدُّنْيَا وَذَلِكَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْيَهُودِ وَعُلَمَاءَهُمْ كَانَتْ لَهُمْ مَآكِلُ يُصِيبُونَهَا مِنْ سَفَلَتِهِمْ وَجُهَّالِهِمْ يَأْخُذُونَ مِنْهُمْ كُلَّ عَامٍ شَيْئًا مَعْلُومًا مِنْ زُرُوعِهِمْ وَضُرُوعِهِمْ وَنُقُودِهِمْ فَخَافُوا إِنْ هُمْ بَيَّنُوا صِفَةَ مُحَمَّدٍ ﷺ وَتَابَعُوهُ أَنْ تَفُوتَهُمْ تِلْكَ الْمَآكِلُ فَغَيَّرُوا نَعْتَهُ وَكَتَمُوا اسْمَهُ فَاخْتَارُوا الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ ﴿وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾ فَاخْشَوْنِي
﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ أَيْ لَا تَخْلِطُوا، يُقَالُ: لَبِسَ الثَّوْبَ يَلْبَسُ لُبْسًا، وَلَبِسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ يَلْبِسُ لَبْسًا أَيْ خَلَطَ. يَقُولُ: لَا تَخْلِطُوا الْحَقَّ الَّذِي، أَنْزَلْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ بِالْبَاطِلِ الَّذِي تَكْتُبُونَهُ بِأَيْدِيكُمْ مِنْ تَغْيِيرِ صِفَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ.
وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ: لَا تَلْبِسُوا الْإِسْلَامَ بِالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ (٢) .
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّ الْيَهُودَ أَقَرُّوا بِبَعْضِ صِفَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَكَتَمُوا بَعْضًا لِيُصَدَّقُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ: وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ الَّذِي تُقِرُّونَ بِهِ بِالْبَاطِلِ يَعْنِي بِمَا تَكْتُمُونَهُ، فَالْحَقُّ: بَيَانُهُمْ، وَالْبَاطِلُ: كِتْمَانُهُمْ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ أَيْ لَا تَكْتُمُوهُ، يَعْنِي: نَعْتَ مُحَمَّدٍ ﷺ.
(١) انظر: تفسير الواحدي: ١ / ٩٢. (٢) عن قتادة قال: لا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام وأنتم تعلمون أن دين الله الإسلام، وأن اليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله. انظر: الدر المنثور: ١ / ١٥٥، واقرأ بحثا بعنوان "إن الدين عند الله الإسلام" في العدد (١٦) من مجلة البحوث الإسلامية. الصادرة عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض.
1 / 87