Tafsir al-Baghawi
معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي
Chercheur
حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش
Maison d'édition
دار طيبة للنشر والتوزيع
Numéro d'édition
الرابعة
Année de publication
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
فَقَالَ عَطَاءٌ: الْجِهَادُ تَطَوُّعٌ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: "فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى" (٩٥-النِّسَاءِ) وَلَوْ كَانَ الْقَاعِدُ تَارِكًا فَرْضًا لَمْ يَكُنْ يَعِدُهُ الْحُسْنَى، وَجَرَى بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ، وَقَالَ: الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ الْخُوَارَزْمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بْنُ أُبَيٍّ الْفُرَاتِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ كُلَيْبٍ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ السَّعِيدِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ" (١) .
وَقَالَ قَوْمٌ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: إِنَّ الْجِهَادَ فُرِضَ عَلَى الْكِفَايَةِ إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ مِثْلُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَرَدِّ السَّلَامِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ: كَتَبَ اللَّهُ الْجِهَادَ عَلَى النَّاسِ غَزْوًا أَوْ قُعُودًا، فَمَنْ غَزَا فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ قَعَدَ فَهُوَ عُدَّةٌ إِنِ اسْتُعِينَ بِهِ أَعَانَ وَإِنِ اسْتُنْفِرَ نَفَرَ وَإِنِ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ قَعَدَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾ أَيْ شَاقٌّ عَلَيْكُمْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي: هَذَا الْكُرْهُ مِنْ حَيْثُ نُفُورُ الطَّبْعِ عَنْهُ لِمَا فِيهِ، مِنْ مُؤْنَةِ الْمَالِ وَمَشَقَّةِ النَّفْسِ وَخَطَرِ الرُّوحِ، لَا أَنَّهُمْ كَرِهُوا أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ عِكْرِمَةُ، نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ يَعْنِي أَنَّهُمْ كَرِهُوهُ ثُمَّ أَحَبُّوهُ فَقَالُوا ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ لِأَنَّ فِي الْغَزْوِ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إِمَّا الظَّفَرُ وَالْغَنِيمَةُ وَإِمَّا الشَّهَادَةُ وَالْجَنَّةُ ﴿وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا﴾ يَعْنِي الْقُعُودَ عَنِ الْغَزْوِ ﴿وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾ لِمَا فِيهِ مِنْ فَوَاتِ الْغَنِيمَةِ وَالْأَجْرِ ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢١٧)﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
(١) رواه مسلم: في الإمارة باب ذم من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو برقم (١٩١٠) ٣ / ١٥١٧.
1 / 246