Tafsir al-Baghawi
معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي
Chercheur
حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش
Maison d'édition
دار طيبة للنشر والتوزيع
Numéro d'édition
الرابعة
Année de publication
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
فَرِيقٍ مِنْهُمْ: أَنَّ الْبِرَّ فِي ذَلِكَ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْبِرَّ غَيْرُ دِينِهِمْ وَعَمَلِهِمْ وَلَكِنَّهُ مَا بَيَّنَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: الْمُرَادُ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ إِذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ وَصَلَّى الصَّلَاةَ إِلَى أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وجبت له ٢٤/أالْجَنَّةُ.
وَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَنَزَلَتِ الْفَرَائِضُ وَحُدِّدَتِ الْحُدُودُ وَصُرِفَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ﴾ (١) أَيْ كُلُّهُ أَنْ تُصَلُّوا قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَا تَعْمَلُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ﴾ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَالضَّحَّاكُ. ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ﴾ قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَلَكِنْ خَفِيفَةَ النُّونِ الْبِرُّ رُفِعَ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَنَصْبِ الْبِرِّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ جَعَلَ مَنْ وهي اسم خبر لِلْبِرِّ وَهُوَ فِعْلٌ وَلَا يُقَالُ الْبِرُّ زِيدَ وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِهِ قِيلَ لَمَّا وَقَعَ مَنْ فِي مَوْضِعِ الْمَصْدَرِ جَعَلَهُ خَبَرًا لِلْبِرِّ كَأَنَّهُ قَالَ وَلَكِنَّ الْبِرَّ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ الِاسْمَ خَبَرًا لِلْفِعْلِ وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ: لَعَمْرُكَ مَا الْفِتْيَانُ أَنْ تَنْبُتَ اللِّحَى ... وَلَكِنَّمَا الْفِتْيَانُ كُلُّ فَتًى نَدِيِّ
فَجَعَلَ نَبَاتَ اللِّحَى خَبَرًا لِلْفَتَى وَقِيلَ فِيهِ إِضْمَارٌ مَعْنَاهُ وَلَكِنَّ الْبِرَّ بِرُّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ فَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْأَوَّلِ عَنِ الثَّانِي كَقَوْلِهِمُ الْجُودُ حَاتِمٌ أَيِ الْجُودُ جُودُ حَاتِمٍ وَقِيلَ مَعْنَاهُ وَلَكِنَّ ذَا الْبِرِّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ" (١٦٣-آلِ عِمْرَانَ) أَيْ ذُو دَرَجَاتٍ وَقِيلَ مَعْنَاهُ وَلَكِنَّ الْبَارَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى "وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى" (١٣٢-طه) أَيْ لِلْمُتَّقِي وَالْمُرَادُ مِنَ الْبِرِّ هَاهُنَا الْإِيمَانُ وَالتَّقْوَى.
﴿وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ﴾ ﴿وَالْكِتَابِ﴾ يَعْنِي الْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ ﴿وَالنَّبِيِّينَ﴾ أَجْمَعَ ﴿وَآتَى الْمَالَ﴾ أَعْطَى الْمَالَ ﴿عَلَى حُبِّهِ﴾ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْكِنَايَةِ فَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: إِنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى الْمَالِ أَيْ أَعْطَى الْمَالَ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَمَحَبَّتِهِ الْمَالَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَنْ تُؤْتِيَهُ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَأْمُلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ ثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ أَنَا أَبُو زُرْعَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: "أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ
(١) انظر: الطبري: ٣ / ٣٣٧-٣٣٨، الواحدي: ١ / ٢٥٠.
1 / 186