148

Tafsir al-Baghawi

معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي

Chercheur

حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش

Maison d'édition

دار طيبة للنشر والتوزيع

Numéro d'édition

الرابعة

Année de publication

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

وَعَطَاءٌ وَيُقَالُ: شَاقَّ مُشَاقَّةً إِذَا خَالَفَ كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ آخِذٌ فِي شِقٍّ غَيْرِ شِقِّ صَاحِبِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي" (٨٩-هُودٍ) أَيْ خِلَافِي، وَقِيلَ: فِي عَدَاوَةٍ، دَلِيلُهُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ" (١٣-الْأَنْفَالِ) أَيْ عَادُوا اللَّهَ ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ﴾ يَا مُحَمَّدُ أَيْ يَكْفِيكَ شَرَّ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَقَدْ كُفِيَ بِإِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ، وَقَتْلِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لِأَقْوَالِهِمْ ﴿الْعَلِيمُ﴾ بِأَحْوَالِهِمْ. ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (١٣٨) قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (١٣٩) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٠) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٤١)﴾
﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٤٢) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٤٣)﴾ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ: دِينَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ صِبْغَةً لِأَنَّهُ يَظْهَرُ أَثَرُ الدِّينِ عَلَى الْمُتَدَيِّنِ كَمَا يَظْهَرُ أَثَرُ الصَّبْغِ عَلَى الثَّوْبِ، وَقِيلَ لِأَنَّ الْمُتَدَيِّنَ يَلْزَمُهُ وَلَا يُفَارِقُهُ، كَالصَّبْغِ يَلْزَمُ الثَّوْبَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فِطْرَةَ اللَّهِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: سُنَّةَ اللَّهِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْخِتَانَ لِأَنَّهُ يَصْبُغُ صَاحِبَهُ بِالدَّمِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (١) هِيَ أَنَّ النَّصَارَى إِذَا وُلِدَ لِأَحَدِهِمْ وَلَدٌ فَأَتَى عَلَيْهِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ غَمَسُوهُ فِي مَاءٍ لَهُمْ أَصْفَرُ يُقَالُ لَهُ الْمَعْمُودِيُّ وَصَبَغُوهُ بِهِ لِيُطَهِّرُوهُ بِذَلِكَ الْمَاءِ مَكَانَ الْخِتَانِ، فَإِذَا فَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ قَالُوا: الْآنَ صَارَ نَصْرَانِيًّا حَقًّا فَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ دِينَهُ الْإِسْلَامُ لَا مَا يَفْعَلُهُ النَّصَارَى، وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ يَعْنِي الْزَمُوا دِينَ اللَّهِ، قَالَ الْأَخْفَشُ هِيَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً﴾ دِينًا وَقِيلَ: تَطْهِيرًا ﴿وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ﴾ مُطِيعُونَ ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ﴿أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ﴾ أَيْ فِي دِينِ اللَّهِ وَالْمُحَاجَّةُ: الْمُجَادَلَةُ فِي اللَّهِ لِإِظْهَارِ الْحُجَّةِ، وَذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانُوا مِنَّا وَعَلَى دِينِنَا، وَدِينُنَا أَقْوَمُ فَنَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ ﴿وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ﴾ أَيْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ سَوَاءٌ فِي اللَّهِ فَإِنَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ﴿وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءُ عَمَلِهِ، فَكَيْفَ تَدَّعُونَ أَنَّكُمْ أَوْلَى بِاللَّهِ ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ﴾ وَأَنْتُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْإِخْلَاصُ أَنْ يُخْلِصَ الْعَبْدُ دِينَهُ وَعَمَلَهُ فَلَا يُشْرِكَ بِهِ فِي دِينِهِ وَلَا يُرَائِيَ بِعَمَلِهِ قَالَ الْفُضَيْلُ: تَرْكُ الْعَمَلِ لِأَجْلِ النَّاسِ رِيَاءٌ، وَالْعَمَلُ مِنْ أَجْلِ النَّاسِ شِرْكٌ، وَالْإِخْلَاصُ أَنْ يُعَافِيَكَ اللَّهُ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَمْ تَقُولُونَ﴾ يَعْنِي: أَتَقُولُونَ، صِيغَةُ اسْتِفْهَامٍ وَمَعْنَاهُ التَّوْبِيخُ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ

(١) انظر: الوسيط للواحدي: ١ / ٢٠٦.

1 / 157