[117]
قوله عز وجل : { بديع السماوات والأرض } ؛ أي مبتدعهما ومنشؤهما على غير مثال يسبق ، { وإذا قضى أمرا } ؛ أي إذا أراد شيئا ، { فإنما يقول له كن فيكون } ، وهذه الآية والتي قبلها جواب " عن قول جماعة من النصارى ناظروا النبي صلى الله عليه وسلم في أمر عيسى عليه السلام. قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : [هو عبد الله ورسوله] قالوا : هل رأيت من خلق بغير أب ؟ " فأنزل الله هذه الآية وما قبلها جوابا لهم.
ومعناها : إن الله مبتدع السموات والأرض وخالقهما ، وإذا أراد أمرا مثل عيسى بغير أب أو غير ذلك ، فإنما يقول له : كن ، فيكون كما أراده. والإبداع : إيجاد الأشياء على غير مثال سبق ؛ والبديع فعيل بمعنى مفعل ، والبديع أشد مبالغة من المبدع. قوله تعالى : { فيكون } من رفعه ؛ فمعناه : فهو يكون. ومن نصبه ؛ فعلى جواب الأمر بالفاء. فإن قيل : قوله { كن } خطاب للموجود أو للمعدوم ، ولا يجوز الأول ؛ لأن الشيء الكائن لا يؤمر بالكون ، والثاني لا يجوز أيضا ؛ لأن المعدوم لا يخاطب ؟ قيل : إنما قال ذلك على سبيل المثل ، لأن الأشياء لسهولتها عليه وسرعة كونها بأمره بمنزلة ما يقول له كن فيكون. وهذا مثل قوله : { ائتيا طوعا أو كرها }[فصلت : 11] لم يرد بهذا أن السماء والأرض كانتا في موضع فقال لهما : ائتيا ، فجاءا من ذلك الموضع ، ولكن أراد به تكوينهما ، فعلى هذا معنى { كن فيكون } أي يريده فيحدث.
Page 112