La Pensée, un Devoir Islamique
التفكير فريضة إسلامية
Genres
عاش السهروردي في عصر الحروب الصليبية، وفي أخطر ميادينها، وهو مدينة حلب عاصمة الملك الظاهر بن الملك صلاح الدين. واشتهر السهروردي كما اشتهر الحلاج بأعمال الخوارق والأعاجيب التي يحسبها بعضهم من السحر، ويحسبها الآخرون من الكرامات ...
جاء في النجوم الزاهرة أنه «كان يعاني علوم الأوائل والمنطق والسيمياء وأبواب النيرنجيات ...»
وجاء في طبقات الأطباء أنه كان مفرط الذكاء، فصيح العبارة، وكان علمه أكثر من عقله، ثم جاء فيه: «يقال: إنه يعرف علم السيمياء.»
وروى ابن خلكان في وفيات الأعيان منقولا عن بعض فقهاء العجم: «إنه كان في صحبته وقد خرجوا من دمشق، قال: فلما وصلنا إلى القابون - القرية التي على باب دمشق في طريق من يتوجه إلى حلب - لقينا قطيع غنم مع تركماني، فقلنا للشيخ: يا مولانا، نريد من هذه الغنم رأسا نأكله، فقال: معي عشرة دراهم، خذوها واشتروا بها رأس غنم. وكان هناك تركماني فاشترينا منه رأسا بها ومشينا قليلا، فلحقنا رفيق لنا وقال: ردوا هذه الرأس؛ خذوا أصغر منها، فإن هذا ما عرف بيعكم؛ يساوي هذه الرأس أكثر من ذلك. وتقاولنا نحن وإياه، فلما عرف الشيخ ذلك قال لنا: خذوا الرأس وامشوا وأنا أقف معه وأرضيه. فتقدمنا نحن وبقي الشيخ يتحدث معه ويطيب قلبه، فلما أبعدنا قليلا تركه وتبعنا، وبقي التركماني يمشي خلفه ويصيح به وهو لا يلتفت إليه، فلما لم يكلمه لحقه بغيظ وجذب يده اليسرى وقال: أين تروح وتخليني؟ وإذا بيد الشيخ قد انخلعت من عند كتفه وبقيت في يد التركماني ودمها يجري، فبهت التركماني وتحير في أمره، فرمى اليد وخاف، فرجع الشيخ وأخذ تلك اليد بيده اليمنى ولحقنا، وبقي التركماني راجعا وهو يلتفت إليه حتى غاب عنه، فلما وصل الشيخ إلينا رأينا في يده اليمنى منديلا لا غير.»
وكان للسهروردي طموح كطموح الحلاج إلى السيادة والعظمة أفصح عنه لبعض صحبه، ومنهم الشيخ سيف الدين الآمدي الذي قال فيما حدث عنه: «اجتمعت بالسهروردي في حلب فقال لي: لا بد أن أملك الأرض، فقلت له: من أين لك هذا؟ قال: رأيت في المنام كأني شربت ماء البحر، فقلت: لعل هذا يكون اشتهارا للعلم وما يناسب هذا، فرأيته لا يرجع عما وقع في نفسه، ورأيته كثير العلم قليل العقل.»
ونسب إليه فيما نسب من التهم التي أدين بها أنه كان يدعي النبوة، ولكنها تهم لم تتحقق أنباؤها؛ لأن الروايات التي وصلت إلينا من سيرته في أواخر أيامه ملتبسة متضاربة، حتى لقد رويت عن موته ثلاث روايات؛ تقول إحداها: إنه مات صبرا باختياره، وتقول رواية أخرى: إنه مات خنقا، وتقول غيرها: إنه مات مقتولا بالسيف بعد صلبه. ولا تتفق الروايات على مشهد قتله، مع ما قيل من التشهير به قبل دفنه ...
غير أن القصة المتواترة أن الفقهاء رفعوا أمره إلى صلاح الدين، وأبلغوه خوفهم منه على عقيدة ابنه الملك الظافر، وعلى سياسة ملكه، فانتهى الأمر إلى دعوته للمناظرة بحضرة الملك، فكان مما قاله في تلك المناظرة: إن إرسال نبي بعد محمد - عليه السلام - غير مستحيل ...
وإذا تعسر جمع أخبار القصة بما بدا واستتر منها، فليس من العسير أن نعلم ما يجنيه على نفسه شاب كثير الفطنة، قليل الحكمة، ذرب اللسان، مصطنع الشعوذة والاستهواء، ويخيل إليه أنه موعود بملك الدنيا، وأن دعوى النبوة مفتوحة لمن يتهيأ لها بمعرفته وفصاحته وقدرته على الإقناع بالبرهان أو بالكرامة. •••
وليس مما يخطر على البال ولا مما كتبه المؤرخون أو أشاروا إليه بهذا الصدد: أن الفكرة الصوفية كانت ذريعة من ذرائع المحاكمة والقصاص، وليس من أدب الصوفية أن يتعرض طالب الحقيقة لشبهة من الشبهات بين العامة يتذرع بها من يشاء إلى اتهامه وإثبات التهمة عليه ...
والقضيتان - بعد - قد اشتهرتا هذه الشهرة بين المعنيين بالإسلاميات؛ لأنهما نادرتان في تواريخ أمم الإسلام، فإن لم تكن هذه الندرة قاطعة بانفرادهما، فهي مثال للحوادث التي ينساق فيها بعض الدعاة إلى مزالق الخطر، ولا شأن فيها لحرية التفكير، ولكنها مآزق السياسة في أوقات الحرج والريبة يرتطم بها من يتصدى لها، ويتورط فيها، وقلما يسلم من بعض وزرها وإن تراءى لقوم أنه ضحية لأوزارها ... •••
Page inconnue