La Pensée Scientifique et les Réalités Émergentes Contemporaines
التفكير العلمي ومستجدات الواقع المعاصر
Genres
12
والسؤال الآن: ماذا نفعل إذا وجدنا أنفسنا بمواجهة أكثر من نظرية تتوافر فيها شروط القابلية للتكذيب، القابلية للاختبار والمحتوى المعرفي؟ كيف نفاضل بين النظريات ونختار؟
وفي نظر بوبر إذا تعرضت النظرية لاختبار القابلية للتكذيب، واستنبطنا منها عبارات أساسية جديدة، وكانت هذه العبارات متوافقة مع الواقع، بعبارة أخرى لم نجد فئة عبارات أساسية تناقضها، فأثبتت مادتها، فلا بد من قبولها فقط لأننا ليس لدينا داع لرفضها؛ فالتعزيز - الذي هو جواز مرور الفرض إلى عالم العلم - هو مدى صمود الفرض أمام اختبارات منهج العلم القياسية. وكلما كانت الاختبارات أقسى حازت النظرية التي تجتازها على درجة تعزيز أعلى. وكلما كانت النظرية أعظم ؛ أي أغزر في المحتوى المعرفي، وأجرأ في القوة السارحة، وأكثر اقترابا من الصدق - أي أكثر قابلية للتكذيب - تمكنت من الصمود أمام اختبارات أكثر قسوة؛ وبالتالي كانت درجة تعزيزها أعلى؛ لذلك كان بوبر يؤكد دائما على قسوة الاختبار حتى لا تستطيع النظرية أن تعزز وتعبر إلى نسق العلم بسهولة.
13
ولكن ماذا نفعل عندما تتمثل أمامنا صعوبة تحول دون إتمام الاختبار؟
يجيب «بوبر»: ينبغي أن ندخل فروضا جديدة يمكن أن نطلق عليها الفروض المساعدة لتفسير صعوبة ما عند إجراء عملية الاختبار، أو لمساعدة النظرية على اجتياز الاختبار. وهذه الفروض تختبر بذاتها أو مستقلة، على حين تقابلها الفروض العينية غير القابلة للاختبار مستقلة، ووضعت فقط للتملص من التكذيب. إن الفروض المساعدة هي من أهم أساليب تطور النظرية وإعادة تعديلها. هذا يعني أنه من منطلق الحرص على تقدم المعرفة والاقتناع، بل طرح الفروض القابلة للتكذيب هو أضمن أساليب هذا التقدم؛ لأننا حين نضع يدنا على مواطن الكذب سوف نتمكن من الوصول إلى الفرض الأصوب الذي يتجنبها. وهكذا دواليك.
ومن هنا لا بد وأن نأخذ على خط مستقيم قاعدة منهجية، وهي أن نحكم الفروض المساعدة بحيث تتفادى عملية إبطال عملية التكذيب؛ أي أن نقبل فقط الفروض التي تقلل درجة قابلية التكذيب للنسق المطروح للبحث، بل على العكس تزيدها. وهذا الفرض الجديد الذي سيزيد درجة القابلية للتكذيب، وأن يؤخذ دائما لمحاولة بناء نسق جديد، نسق نحكم عليه على أساس ما إذا كان سيمثل بالفعل تقدما ما في معرفتنا بالعالم الخارجي أم لا. وفي هذا يقول: «... أما بالنسبة للفروض المساعدة، فإننا نقترح أن نضع القاعدة القائلة: إننا نقبل الفروض المساعدة التي لا يكون إدخالها مفضيا إلى تقليل درجة قابلية التكذيب، أو قابلية اختبار النسق موضع التساؤل، وإنما على العكس من ذلك نقبل الفروض المساعدة التي تزيد من قابلية التكذيب أو قابلية الاختبار ... وإذا زادت درجة قابلية التكذيب، فقد أثر إدخال الفروض في النظرية فعلا.»
14
مثال:
عندما لوحظ أن ثمة انحرافات في مدار كوكب أورانوس، افترض لافيري وآدمز ضرورة وجود كوكب آخر كي يفسر هذه الانحرافات البسيطة. وقد انتهى الأمر بمحاولة لهما بمساعدة آخرين إلى اكتشاف كوكب نبتون بالفعل. وهنا نلاحظ أن الفروض المساعدة لا تخل بمعيار القابلية للتكذيب، بل على العكس زادت به.
Page inconnue