La Pensée Scientifique et les Réalités Émergentes Contemporaines
التفكير العلمي ومستجدات الواقع المعاصر
Genres
ثم قام «إيرفين شرودنجر» بعد ذلك بوضع هذا الرأي في معادلة تفاضلية أصبحت الأساس الرياضي للنظرية الحديثة في الكوانتم. ومعنى ما ذهب إليه «دي بروي»، هو ما يكشف عنه «ماكس بورن» من أن الجسيمات الأولية لا تتحكم في سلوكها قوانين علية، وإنما قوانين احتمالية من نوع مشابه للموجات فيما يتعلق بتركيبها الرياضي. وفي ضوء هذا التفسير لا تكون للموجات حقيقة الموضوعات المادية، بل تكون لها حقيقة المقادير الرياضية. وهذا ما جعل «هيزنبرج» يتوصل إلى أن هناك قدرا من اللاتحديد (أو اللايقين) بالنسبة للتنبؤ بمسار الجزيء.
17
والسؤال الآن: ما هو مبدأ اللايقين؟
هو المبدأ المعروف بمبدأ «فيرنر هيزنبرج»، أعلنه عام 1927م، ويعرف أحيانا بمبدأ اللاتحديد أو عدم التحديد أو مبدأ اللايقين أو اللادقة أو مبدأ اللاحتمية أو مبدأ الريبة أو مبدأ الشك؛ حيث درج المترجمون العرب على استخدام التعبير الأخير، ونهج على منوالهم أغلب أساتذة الفيزياء والكيمياء الفيزيائية، أما ترجمة المجمع اللغوي «مبدأ أنه لا يقين في الطبيعة» وهو مبدأ نتج عن تحول معنى الحقيقة تبعا لما اكتشف في علم الفيزياء في هذا القرن مما اختلت به الموازين القديمة كل الاختلال؛ فقد اتضح أن كل المعرفة الطبيعية التي حصل عليها العلم ليست إلا معرفة إحصائية تختفي وراءها حقيقة الأشياء وحقيقة العالم بما فيه من علل ومعلومات، وأن هذا الكون المختفي من وراء ما نعلم من ظواهر ليست معروفة - وغير قابلة لأن تعرف - بل هي أيضا غير قابلة للتصور.
18
ومبدأ اللايقين هو خاص بالإلكترون، فلنلخص ما قيل عن اكتشافات علماء الذرة وعلماء الكوانتم في الإلكترون؛ حيث جاء راذرفورد مكتشفا للنواة في الذرة وعرف منها البروتون فقط عام 1911م، ورأى أن الإلكترون أو الإلكترونات تدور حول البروتون دورة كوكبية. ثم جاء نيلز بور عام 1913م وأيد اكتشاف «ثابت بلانك» كما أيده في أن الذرة من طبيعة جزيئية. وافترض بور أن الإلكترون لا يبقى في مدار ثابت محدد حول النواة وإنما يقفز من مدار إلى مدار، وحين يغير الإلكترون مداره تتغير الطاقة الكلية للذرة؛ ولذلك فإن هذه الطاقة إما أن تنطلق إلى خارج الذرة وإما أن تمتصها. وصور الإلكترون على أنه لا يؤدي حركة متصلة، كما يتحرك القطار على شريط السكة الحديدية، وإنما يتحرك في قفزات تشبه قفزات الكنجارو في حقل. وجاء «دي بروي» و«شرودنجر» ليفترضا أن الذرة والإلكترون من طبيعة موجية حيث لا يكون لهما وضع محدد في المكان.
19
جاء هيزنبرج ليكتشف شيئا أكثر غرابة عن الإلكترون؛ حيث حاول بتجاربه ملاحظة موضع الإلكترون وسرعته واتجاهه بأدق ما لديه من مكبرات. بدا له أن ليس للإلكترون وضع محدد وسرعة محددة، ويمكن للعالم رصد ما يفعله الإلكترون بدقة إذا كان يتناول مجموعة من الإلكترونات. لكن حين يريد العالم تحديد مسار إلكترون واحد وسرعته واتجاهه فجهد ضائع. نستطيع فقط أن نجد نقطة من نقط تحركات موجات الإلكترونات كمجموعة تمثل الوضع المحتمل للإلكترون المعين. لكن الإلكترون الواحد منعزلا عن إخوته في مجموعته ليس غير بقعة غير محددة، شأنها في ذلك شأن الريح أو موجات الصوت في الظلام. وكلما قل عدد الإلكترونات التي يلاحظها العالم زاد حيرة. ولا ترجع هذه الظاهرة عند هيزنبرج إلى نقص في آلات العالم، وإنما إلى طبيعة الإلكترون، ولكي يثبت ذلك افترض أن مكبرا خاليا قادر على تكبير الإلكترون إلى قدر قطره بمائة بليون مرة حتى نستطيع رؤيته. وجد هيزنبرج هنا صعوبة جديدة لأن الإلكترون أصغر من موجة الضوء؛ ولذلك يضطر العالم إلى استخدام إشعاع طول موجته أصغر مثل الأشعة السينية، فوجد هيزنبرج أنها عديمة الجدوى؛ لأنها لا تمكننا من رؤية الإلكترون. وجد أن الرؤية قد تكون ممكنة إذا استخدمنا أشعة جاما، وهي أشعة تنبعث من ذرة الراديوم. لكن تجارب العلماء السابقين عليه أثبتت أن الأشعة السينية تؤثر على الإلكترون لدرجة الخطورة على وجودها. وصل هيزنبرج من كل ذلك إلى مبدأ اللايقين الذي يقول إن من المستحيل من حيث المبدأ أن ترصد موضع الإلكترون وسرعة حركته واتجاهها بدقة متناهية في نفس الوقت. يمكنك فقط أن تحدد سرعته بدقة واتجاهها بنفس الدقة، أو يمكنك تحديد سرعته واتجاهها بكل دقة، وحينئذ لا تستطيع تحديد موضعه المكاني.
20
وبالتالي يقضي مبدأ اللايقين بأن الحالة التي يكون لها توزيع احتمالي متمركز جدا لقياسات الموضع سوف يكون لها حتما توزيع عريض المدى بالنسبة لقياسات كمية التحرك، والعكس بالعكس. هناك حد لإمكانية تحديد كل من الموضع وكمية التحرك بدقة عالية في آن معا. وينسحب القول نفسه على أزواج أخرى معينة من الكميات التي يمكن ملاحظتها أو رصدها أو قياسها
Page inconnue