وهو الذي يقال إنه متمائل متجاهل، متغافل متساهل، وإنه ليس بناقل بل منتحل وسارق، ولإجماع الأمة خارق، وفي بحر التنقل غارق، وفي نهر التغفل شارق، وإنه ليس بمعتمد ولا مستند، ولا منتقد ولا معتضد، وإنه غافل غير عاقل، أو عاقل داجل غير فاضل وإن تحريراته غير معتبرة، وتقريراته غير مستندة.
والحاصل أن عدم التزام الصحة، وصف يبعد عنه كل ثقة، ولا يقصده إلا المنحط عن أعلى الدرجة إلى أسفل الدرجة.
نعم؛ لا يستنكر من العلماء طغيان القلم، وزلة القدم، أحيانا، فإن هذا لازم عرفي لمن كان إنسانا.
وأما كثرة ذلك، وعدم التزام ما ينقله هنالك، فهو من أشر المسالك، وأضر المبارك، وأشنع المهالك، وأقبح المناسك، وأنتن المدارك، وأوهن المعارك، لا يسلك عليه إلا من طغى وغوى، ولهى، وسهى، وعصى، ولم ينه النفس عن الهوى، ولم يختر سبيل الهدى ؛ ولذلك ترى الأفاضل، ينكرون أشد النكير، ويوجبون التعزير، على من اتصف بهذا، وإن كان من الأماثل، كما ستطلع على تفصيله في موضع يليق به، وما أحسن قول من أفاد، فأجاد:
وللزنبور(1) والبازي جميعا
لدى الطيران أجنحة وخفق
ولكن بين ما يصطاده باز
وما يصطاده الزنبور فرق
والذي يحلف(2)به، مثل هذه النصرة المنجرة إلى سواء الخصلة، لا يصدر إلا من صاحب الغفلة، كاسب الفضلة، {و(3)الليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفس}(4).
Page 23