قد غرت الحرب من قد كان قبلكم
من القرون وقد بادت بها الامم
فانصفوا قومكم لا تهلكوا بذخا
فرب ذي بذخ زلت به القدم
فكتب اليه ابن عباس: أما بعد: فقد ورد كتابك تذكر فيه لحاق الحسين وابن الزبير بمكة، فاما ابن الزبير فرجل منقطع عنا برأيه وهواه يكاتمنا مع ذلك أضغانا يسرها في صدره يوري علينا وري الزناد لا فك الله أسيرها فارأ في أمره ما انت رائيه.
وأما الحسين فانه لما نزل مكة وترك حرم جده ومنازل آبائه سألته عن مقدمه فاخبرني ان عمالك في المدينة أساءوا اليه وعجلوا عليه بالكلام الفاحش فاقبل الى حرم الله مستجيرا به وسألقاه فيما أشرت اليه ولن ادع النصيحة فيما يجمع الله به الكلمة ويطفئ به النائرة ويخمد به الفتنة ويحقن به دماء الامة فاتق الله في السر والعلانية ولا تبيتن ليلة وأنت تريد لمسلم غائلة ولا ترصده بمظلمة ولا تحفر له مهواة فكم من حافر لغيره حفرا وقع فيه وكم من مؤمل املا لم يؤت امله وخذ بحظك من تلاوة القرآن ونشر السنة وعليك بالصيام والقيام لا تشغلك عنهما ملاهي الدنيا واباطيلها فان كل ما شغلت به عن الله يضر ويفنى، وكل ما اشتغلت به من اسباب الآخرة ينفع ويبقى والسلام.
قال هشام بن محمد: ثم ان حسين كثرت عليه كتب أهل الكوفة وتواترت اليه رسلهم ان لم تصل الينا فانت آثم فعزم على المسير فجاء اليه ابن عباس ونهاه عن ذلك وقال له يا ابن عم ان أهل الكوفة قوم غدر قتلوا أباك وخذلوا أخاك وطعنوه وسلبوه وسلموه الى عدوه وفعلوا ما فعلوا، فقال هذه كتبهم ورسلهم وقد وجب علي المسير لقتال اعداء الله فبكا ابن عباس وقال وا حسيناه.
وذكر المسعودي في كتاب (مروج الذهب): ان ابن عباس قال له ان كرهت المقام بمكة خوفا على نفسك فسر الى اليمن فان فيها عزلة ولنا بها أنصار وأعوان وبها قلاع وشعاب واكتب الى أهل الكوفة فان اخرجوا أميرهم وسلموها الى نائبك فسر اليهم فانك ان سرت اليهم على هذه الحالة لم آمن عليك منهم وان عصيتني فاترك أهلك وأولادك هاهنا فو الله اني لخائف عليك ان تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وأهله ينظرون اليه.
قلت: وهذا معنى قول علي (ع) لله در ابن عباس فانه ينظر من ستر رقيق فلما يئس ابن عباس منه حزن لفقده ولقي ابن الزبير فقال يا ابن الزبير قرت عينك وأنشد:
Page 216