ليحفظ بها نظام الكل. والشىء الواحد الجزئى الذي تتوافى إليه الأسباب وإن كان مستنكرا فى العقل كسرقة السارق وزنا الزانى لو لم يكن نظام العالم محفوظا فإن الأسباب المؤدية إليه هى الأسباب فى حفظ نظام العالم وهو كالضرورى التابع لها. والعقوبة التي تلحق الزانى والظالم إنما تقع عليهما لحفظ نظام الكل ، فإنه إن لم يتوقع المكافأة أو لم يخف المكافأة على ظلمه وفعله الشر والقبيح لم يقلع عن فعله ولم ينزجر فلم يبق نظام الكل محفوظا. ودخول الشر فى القضاء الإلهى هو أن ذلك الشر تابع للضرورى الذي هو من القسم الثاني. وهذا الضرورى قد صرف بالتدبير الإلهى حفظ نظام الكل على أتم ما يمكن أن يكون كالشيخوخة والموت ، فإن الشيخوخة أمر ضرورى تابع وقد جعلت علة لطهارة النفس وكسر قواها الحيوانية ، والموت جعل علة لوجود أشخاص ونفوس لا نهاية لها كانت تستحق الوجود.
حصول الضوء فى القابل له هو من جهة واهب الصور ، ويكون حصوله فيه هو زوال العائق عنه الذي هو الظلمة وتمام استعداده لقبوله.
الضوء هو انفعال فى القابل من المضيء أو حصول أثر فيه من واهب الصور.
الألوان إنما تحدث فى السطوح من حصول المضيء ، وليست فى ذواتها موجودة : وهى أعراض تحصل بواسطة المضيء. وسبب كونها مختلفة وأن بعضها أبيض وبعضها أسود وبعضها فى كذا ، اختلاف الاستعدادات فى المواد.
لا يجوز أن يكون المضيء موجودا والضوء غير موجود ويجب أن يكونا معا من غير زمان ، وذلك كالهيولى والصورة فإن وجودهما معا بلا زمان. فإنه كما توجد الصورة من واهب الصور توجد الهيولى بالفعل.
سبب إجابة الدعاء توافى الأسباب معا لحكمة إلهية ، وهو أن يتوافى دعاء رجل مثلا فيما يدعو فيه وسبب وجود ذلك الشىء معا عن البارى. فإن قيل : فهل كان يصح وجود ذلك الشىء من دون الدعاء وموافاته لذلك الدعاء؟ قلنا : لا ، لأن علتهما واحدة وهو البارى ، وهو الذي جعل سبب وجود ذلك الشىء الدعاء كما جعل سبب صحة هذا المريض شرب الدواء ، وما لم يشرب الدواء لم يصح. وكذلك الحال فى الدعاء وموافاة ذلك الشىء فلحكمة ما توافيا معا على حسب ما قدر وقضى. فالدعاء واجب ، وتوقع الإجابة واجب. فإن انبعاثنا للدعاء يكون سببه من هناك ، ويصير دعاؤنا سببا للإجابة وموافاة الدعاء لحدوث الأمر المدعو لأجله هما معلولا علة واحدة ، وربما يكون أحدهما بواسطة الآخر. وقد يتوهم أن السماويات تنفعل من الأرضية ، وذلك أنا ندعوها فتستجيب لنا
Page 47