التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح لمن خرج لَهُ البُخَارِيّ فِي الْجَامِع الصَّحِيح
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم الْحَمد لله ذِي الْأَسْمَاء الْحسنى وَالصِّفَات العلى وَصلى الله على نبيه مُحَمَّد الْمُصْطَفى وعَلى آله وَسلم تَسْلِيمًا أما بعد فَإنَّك سَأَلتنِي أَن أصنف لَك كتابا آتِي فِيهِ بأسماء من روى عَنهُ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من شُيُوخه وَمن تقدمهم إِلَى الصَّحَابَة ﵃ وَأثبت فِيهِ مَا صَحَّ عِنْدِي من كناهم وأنسابهم وَمَا ذكره الْعلمَاء من أَحْوَالهم ليَكُون مدخلًا للنَّاظِر فِي هَذَا الْعلم إِلَى معرفَة أهل الْعَدَالَة من غَيرهم وسببا إِلَى معرفَة كثير من الروَاة وَالْوُقُوف على طرف من أخبارهم فأجبتك إِلَى ذَلِك لما رَجَوْت فِيهِ من جزيل الثَّوَاب وتحريت الصَّوَاب جهدي واستنفدت فِي طلبه وسعي وَالله أسأَل أَن يوفقنا لَهُ وينفعنا بِهِ ويعين النَّاظر فِيهِ على حسن مقْصده وَجَمِيل مذْهبه برحمته وَأَنا إِن شَاءَ الله آتِي بِمَا شرطته فِي أَسمَاء الرِّجَال على حُرُوف الهجاء بالتأليف الْمُعْتَاد فِي بلدنا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل وأسانيد مَا ذكرت فِيهِ عَن صَحِيح البُخَارِيّ فحدثنا بِهِ أَبُو ذَر قِرَاءَة
1 / 273
عَلَيْهِ قَالَ أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الْحَمَوِيّ وَأَبُو إِسْحَاق الْمُسْتَمْلِي وَأَبُو الْهَيْثَم الْكشميهني قَالُوا أَنا مُحَمَّد بن يُوسُف الْفربرِي قَالَ أَنا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ
1 / 274
وَمَا ذكرته فِيهِ عَن تَارِيخ البُخَارِيّ فَأخْبرنَا بِهِ أَبُو ذَر قِرَاءَة عَلَيْهِ قَالَ أَنا زَاهِر بن أَحْمد أَنا أَبُو مُحَمَّد زَنْجوَيْه بن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي أَنا البُخَارِيّ وَمَا أخرجته فِيهِ عَن مُسلم فَأخْبرنَا بِهِ أَبُو ذَر أَنا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله الجوزقي أَنا مكي بن عَبْدَانِ أَنا مُسلم وَمَا أخرجته فِيهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم فَأَجَازَهُ لنا أَبُو ذَر قَالَ أجَازه لنا حمد بن عبد الله الْأَصْبَهَانِيّ قَالَ أجَازه لنا عبد الرَّحْمَن
1 / 275
وَمَا أخرجته فِيهِ عَن الكلاباذي فَأَخْبَرنَاهُ أَبُو مُحَمَّد بن الْوَلِيد قَالَ أناه عَليّ بن فهر عَن أبي سعد عمر بن مُحَمَّد السجْزِي عَن أبي نصر الكلاباذي وَمَا كَانَ فِيهِ عَن أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن البيع النَّيْسَابُورِي فَأَخْبَرنَاهُ بِهِ أَبُو بكر مُحَمَّد بن عَليّ المطوعي عَنهُ وَمَا كَانَ فِيهِ عَن بن عدي فَأَخْبَرنَاهُ بِهِ أَبُو بكر بن سختويه
1 / 276
وَأَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن مَحْمُود جَمِيعًا عَن أبي الْعَبَّاس الرَّازِيّ عَن بن عدي وَأخْبرنَا بِهِ أَبُو بكر بن سختويه قَالَ أجَازه لنا بن عدي وَمَا أخرجته فِيهِ من تَارِيخ أبي حَفْص الفلاس فَأخْبرنَا بِهِ أَبُو الْقَاسِم الدمثائي عَن أبي الْحسن بن لُؤْلُؤ عَن أبي بكر بن شهريار عَن أبي حَفْص وَمَا كَانَ فِيهِ من تَارِيخ بن معِين فَأخْبرنَا بِهِ أَبُو ذَر عَن أبي عبد الله بن البيع عَن الْأَصَم مُحَمَّد بن يَعْقُوب النَّيْسَابُورِي عَن عَبَّاس بن
1 / 277
مُحَمَّد عَن يحيى بن معِين وَمَا كَانَ فِيهِ من تَارِيخ أبي الْعَبَّاس الْأَبَّار فَأخْبرنَا بِهِ أَبُو بكر الْخَطِيب أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت هن أبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْفضل عَن دعْلج عَن أبي الْعَبَّاس وأخرجت فِيهِ غير ذَلِك مِمَّا وَقع إِلَيّ فِي مذاكرة أهل الحَدِيث وكتبته
1 / 278
عَنْهُم فِي جملَة المنثور من الحَدِيث وعَلى وَجه الانتقاء يَوْمًا ساءلت عَنهُ الْحفاظ وَأهل الْعلم بِهَذَا الشَّأْن كالشيخ أبي ذَر عبد بن أَحْمد الْهَرَوِيّ الْحَافِظ وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ الصُّورِي الْحَافِظ وَأبي بكر الْخَطِيب أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت الْحَافِظ وَأبي النجيب عبد الْغفار بن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد الأرموي الْحَافِظ وَغَيرهم وسأقدم بَين يَدي ذَلِك أبوابا ومقدمات تعلم بهَا مَنْهَج معرفَة الْجرْح وَالتَّعْدِيل فقد رَأَيْت كثيرا مِمَّن لَا علم لَهُ بِهَذَا الْبَاب يعْتَقد أَن هَذَا من جِهَة التَّقْلِيد وَأَنه لَا يدْرك بِالنّظرِ وَالِاجْتِهَاد وأذكر بعد ذَلِك شَيْئا مِمَّا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى معرفَة الصَّحِيح من السقيم إِذْ هُوَ الْمَقْصُود بِعلم الْجرْح وَالتَّعْدِيل وأذكر بعد ذَلِك نبذة من نسب أبي عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ وتاريخ مولده ووفاته وحاله وَحفظه وَعلمه بِالْحَدِيثِ وَوصف كِتَابه الْمَذْكُور بِمَا هُوَ عَلَيْهِ ثمَّ أتبع ذَلِك مَا قدمنَا ذكره من ذكر الروَاة فِي كِتَابه الْمَذْكُور وَالله الْمُوفق للصَّوَاب
1 / 279
(بَاب معرفَة الْجرْح وَالتَّعْدِيل)
أَحْوَال الْمُحدثين فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل مِمَّا يدْرك بِالِاجْتِهَادِ وَيعلم بِضَرْب من النّظر وَوجه ذَلِك أَن الْإِنْسَان إِذا جَالس الرجل وتكررت محادثته لَهُ وإخباره إِيَّاه بِمثل مَا يخبر نَاس عَن الْمعَانِي الَّتِي يخبر عَنْهَا تحقق صَدَقَة وَحكم بتصديقه فَإِن اتّفق لَهُ أَن يخبر فِي يَوْم من الْأَيَّام أَو وَقت من الْأَوْقَات بِخِلَاف مَا يخبر النَّاس عَن ذَلِك الْمَعْنى أَو بِخِلَاف مَا علم مِنْهُ الْمخبر أعتقد فِيهِ الْوَهم والغلط وَلم يُخرجهُ ذَلِك عِنْده عَن رُتْبَة الصدْق الَّذِي ثَبت من حَاله وعهد من خَبره وَإِذا أكثرت مجالسة آخر وَكَثُرت محادثته لَك فَلَا يكَاد أَن يُخْبِرك بِشَيْء إِلَّا ويخبرك أهل الثِّقَة وَالْعَدَالَة عَن ذَلِك الْمَعْنى بِخِلَاف مَا أخْبرك بِهِ غلب على ظَنك كَثْرَة غلطه وَقلة استثباته واضطراب أَقْوَاله وَقلة صدقه ثمَّ بعد ذَلِك قد يتَبَيَّن لَك من حَاله الْعمد أَو الْغَلَط وبحسب ذَلِك تحكم فِي أمره فَمن كَانَ فِي أحد هذَيْن الطَّرفَيْنِ لَا يخْتَلف فِي جرحه أَو تعديله وَمِمَّنْ كَانَ بَين الْأَمريْنِ مثل أَن يُوجد مِنْهُ الْخَطَأ والإصابة وَقع الترجح فِيهِ وعَلى حسب قلَّة أحد الْأَمريْنِ مِنْهُ وكثرته يكون الحكم فِيهِ فَكَذَلِك الْمُحدث إِذا حَدثَك عَن الزُّهْرِيّ مثل زَمعَة بن صَالح بن الْأَخْضَر أَو مُحَمَّد بن إِسْحَاق وحدثك عَنهُ بذلك الحَدِيث مَالك وَعبيد الله بن عمر وَمعمر وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَمن أشبههم من الأيمة الْحفاظ المتقنين الَّذين علم حفظهم حَدِيث الزُّهْرِيّ وإتقانهم لَهُ وَاتَّفَقُوا على خلاف مَا حدث أَو خَالفه أحد هَؤُلَاءِ الأيمة وَكثر ذَلِك فَإِنَّهُ يحكم بضعفه
1 / 280
واضطراب حَدِيثه وَكَثْرَة خطئه فَإِن انضاف إِلَى ذَلِك أَن ينْفَرد بالأحاديث الْمَنَاكِير عَن مثل الزُّهْرِيّ وَكثر ذَلِك مِنْهُ جرح إِلَى أَن يُقَال فِيهِ مُنكر الحَدِيث مَتْرُوك الحَدِيث وَرُبمَا كثر ذَلِك مِنْهُ حَتَّى يتَبَيَّن تَعَمّده فينسب إِلَى الْكَذِب وَإِذا رَأَيْته لَا يُخَالف هَؤُلَاءِ الأيمة المتقنين الْحفاظ وَلَا يخرج عَن حَدِيثهمْ حكم بِصَدقَة وَصِحَّة حَدِيثه فهذان الطرفان لَا يخْتَلف فِي من وجد أَحدهمَا مِنْهُ وَمن وجد مِنْهُ الْمُوَافقَة والمخالفة وَقع التَّرْجِيح فِيهِ على كَثْرَة أحد الْأَمريْنِ مِنْهُ وقلته وعَلى قدر مَا يحْتَملهُ حَاله فِي علمه وَدينه وفضله وَلذَلِك يخْتَلف أهل الْجرْح وَالتَّعْدِيل فِي الرجل فيوثقه يحيى بن سعيد الْقطَّان ويضعفه عبد الرَّحْمَن بن مهْدي ويوثقه شُعْبَة ويجرحه مَالك وَكَذَلِكَ سَائِر من يتَكَلَّم فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل مِمَّن هُوَ من أهل الْعلم بذلك يَقع اخْتلَافهمْ فِي ذَلِك على هَذَا الْوَجْه وَقد روى أَبُو حَاتِم بن حبَان البستي قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أبي شيخ الْمَلْطِي قَالَ جَاءَ يحيى بن معِين إِلَى عَفَّان يسمع مِنْهُ حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة فَقَالَ سمعته من غَيْرِي فَقَالَ نعم سمعته من سَبْعَة عشر رجلا فَأبى أَن يحدثه بِهِ فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ دِرْهَم وَانْحَدَرَ إِلَى الْبَصْرَة وأسمعه من التَّبُوذَكِي فَقَالَ لَهُ التَّبُوذَكِي سمعته من غَيْرِي فَقَالَ نعم سمعته من سَبْعَة عشر رجلا فَقَالَ مَا تُرِيدُ بذلك قَالَ أُرِيد أَن أميز خطأ حَمَّاد بن سَلمَة من خطأ من روى عَنهُ فَإِذا اتّفق لي الْجَمِيع على خطإ عرفت أَنه من حَمَّاد بن سَلمَة وَإِذا انْفَرد بِهِ بعض الروَاة عَنهُ عرفت أَنه مِنْهُ
1 / 281
(بَاب فِي جَوَاز الْجرْح وَأَنه لَيْسَ من بَاب الْغَيْبَة الْمنْهِي عَنْهَا وَإِنَّمَا هُوَ من الدّين)
قَالَ يحيى بن سعيد الْقطَّان سَأَلت مَالك بن أنس وسُفْيَان الثَّوْريّ وَشعْبَة وَابْن عُيَيْنَة عَن الرجل لَا يحفظ أَو يتهم فِي الحَدِيث فكلهم قَالَ لي بَين أمره بَين أمره مرَّتَيْنِ وعَلى هَذَا إِجْمَاع الْمُسلمين إِلَّا من لَا يعْتد بقوله فِي هَذَا الْبَاب وَذَلِكَ أَن الشَّاهِد يشْهد على الدِّينَار ويسير المَال فتعلم مِنْهُ الجرحة فَلَا يسع من علم ذَلِك إِلَّا أَن يجرحه بهَا ويزيل عَن الْمَشْهُود عَلَيْهِ ضَرَر شَهَادَته فَكيف الدّين الَّذِي هُوَ عماد الدُّنْيَا وَالْآخِرَة يَنْقُلهُ من تعلم جرحته فَلَا يبين أمره وَمِمَّا تدل على صِحَة هَذَا أَنا قد وجدنَا الْجرْح لنقلة الْأَخْبَار والبحث عَن أَحْوَالهم وَطعن الأيمة عَلَيْهِم فِي سَائِر أعصار الْمُسلمين من أهل الْعلم وَالدّين والورع وَلذَلِك رُوِيَ عَن سعيد بن الْمسيب أَنه قَالَ يَا برد لَا تكذب عَليّ كَمَا كذب عِكْرِمَة على بن عَبَّاس وَرُوِيَ عَن مَالك وسُفْيَان الثَّوْريّ وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ وَيُونُس بن عبيد وَشعْبَة بن الْحجَّاج مَعَ علمهمْ وورعهم وفضلهم تجريح نقلة الْأَخْبَار وَإِظْهَار أَحْوَالهم والتحفظ فِي الْأَخْذ مِنْهُم والإخبار عَنْهُم وَقَالَ قَالَ أَبُو بكر بن خَلاد قلت ليحيى بن سعيد أما تخشى أَن يكون هَؤُلَاءِ الَّذين تركت حَدِيثهمْ خصماءك عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ لِأَن يكون هَؤُلَاءِ خصمائي أحب إِلَيّ من أَن يكون خصمي رَسُول الله ﷺ يَقُول لم حدثت عني حَدِيثا ترى أَنه كذب وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي حَدثنَا حَمَّاد بن زيد قَالَ كلمنا شُعْبَة أَنا وَعباد بن عباد وَجَرِير بن حَازِم فِي رجل يُرِيد أبان بن أبي عَيَّاش فَقُلْنَا لَو كَفَفْت عَنهُ فَكَأَنَّهُ لَان وأجابنا قَالَ فَذَهَبت يَوْمًا أُرِيد الْجَامِع فَإِذا شُعْبَة يُنَادي من خَلْفي فَقَالَ ذَاك الَّذِي قُلْتُمْ لَا أرَاهُ يسعني قَالَ عَفَّان كنت عِنْد إِسْمَاعِيل بن علية فَحدث رجل عَن رجل فَقَالَ لَا تحدث عَن هَذَا فَإِنَّهُ لَيْسَ بثبت فَقَالَ اغْتَبْته فَقَالَ مَا اغتابه وَلكنه حكم عَلَيْهِ أَنه لَيْسَ بثبت وَقَالَ بن مهْدي مَرَرْت مَعَ سُفْيَان الثَّوْريّ بِرَجُل فَقَالَ كَذَّاب وَالله لَوْلَا أَنه لَا يحل لي أَن أسكت لسكت وَقَالَ أَبُو نعيم حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن بن عون قَالَ قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ إيَّاكُمْ والمغيرة بن سعيد وَأَبا عبد الرَّحْمَن فَإِنَّهُمَا كذابان وَإِنَّمَا يجوز للمجرح أَن يذكر المجرح بِمَا فِيهِ مِمَّا يرد حَدِيثه لما فِي ذَلِك من الذب عَن الحَدِيث وَكَذَلِكَ ذُو الْبِدْعَة يذكر ببدعته لِئَلَّا تغتر بِهِ النَّاس حفظا للشريعة وذبا عَنْهَا وَلَا يذكر غير ذَلِك من عيوبه لِأَنَّهُ من بَاب الْغَيْبَة قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ فِي صَاحب الْبِدْعَة يذكر ببدعته وَلَا يغتاب بِغَيْر ذَلِك يَعْنِي وَالله أعلم أَن يُورد مَا فِيهِ لَا على وَجه السب لَهُ أَو يُقَال فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ فَأَما أَن يذكر مَا فِيهِ مِمَّا يثلم دينه على وَجه التحذير مِنْهُ فَلَيْسَ من بَاب الْغَيْبَة وَالله أعلم
1 / 282
(بَاب الْجرْح وَالتَّعْدِيل)
وَاعْلَم أَنه قد يَقُول الْمعدل فلَان ثِقَة وَلَا يُرِيد بِهِ أَنه مِمَّن يحْتَج بحَديثه وَيَقُول فلَان لَا بَأْس بِهِ وَيُرِيد أَنه يحْتَج بحَديثه وَإِنَّمَا ذَلِك على
1 / 283
حسب مَا هُوَ فِيهِ وَوجه السُّؤَال لَهُ فقد يسْأَل عَن الرجل الْفَاضِل فِي دينه الْمُتَوَسّط حَدِيثه فيقرن بالضعفاء فَيُقَال مَا تَقول فِي فلَان وَفُلَان فَيَقُول فلَان ثِقَة يُرِيد أَنه لَيْسَ من نمط من قرن بِهِ وَأَنه ثِقَة بِالْإِضَافَة إِلَى غَيره وَقد يسْأَل عَنهُ على غير هَذَا الْوَجْه فَيَقُول لَا بَأْس بِهِ فَإِذا قيل أهوَ ثِقَة قَالَ الثِّقَة غير هَذَا يدل على ذَلِك مَا رَوَاهُ أَبُو عبد الله بن البيع قَالَ سَمِعت أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن يَعْقُوب الشَّيْبَانِيّ يَقُول سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن النَّضر الجارودي يَقُول سَمِعت عَمْرو بن عَليّ يَقُول أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي حَدثنَا أَبُو خلدَة فَقَالَ رجل يَا أَبَا سعيد أَكَانَ ثِقَة فَقَالَ كَانَ خيارا وَكَانَ مُسلما وَكَانَ صَدُوقًا الثِّقَة شُعْبَة وسُفْيَان وَإِنَّمَا أَرَادَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي ﵀ التناهي فِي الْإِمَامَة لَو لم يوثق من أَصْحَاب الحَدِيث إِلَّا من كَانَ فِي دَرَجَة شُعْبَة وسُفْيَان الثَّوْريّ لقل الثِّقَات ولبطل مُعظم الْآثَار وَأَبُو خلدَة هَذَا خَالِد بن دِينَار الْبَصْرِيّ أخرج البُخَارِيّ فِي الْجُمُعَة وَالتَّعْبِير وَالْعلم عَن حرمي بن عمَارَة عَنهُ عَن أنس وَقَالَ عَمْرو بن عَليّ سَمِعت يزِيد بن زُرَيْع يَقُول أخبرنَا أَبُو خلدَة وَكَانَ ثِقَة وَلَكِن عبد الرَّحْمَن لم يرد أَن يبلغهُ مبلغ غَيره مِمَّن هُوَ أتقن مِنْهُ وأحفظ
1 / 284
وَأثبت وَذهب إِلَى أَن يبين أَن دَرَجَته دون ذَلِك وَلذَلِك قَالَ كَانَ خيارا كَانَ صَدُوقًا وَهَذَا معنى الثِّقَة إِذا جمع الصدْق وَالْخَيْر مَعَ الْإِسْلَام وَقد روى عَبَّاس بن مُحَمَّد الدوري عَن بن معِين أَنه قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق ثِقَة وَلَيْسَ بِحجَّة وأصل ذَلِك أَنه سُئِلَ عَنهُ وَعَن مُوسَى بن عُبَيْدَة الربذي أَيهمَا أحب إِلَيْك فَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق ثِقَة وَلَيْسَ بِحجَّة فَإِنَّمَا ذهب إِلَى أَنه أمثل فِي نَفسه من مُوسَى بن عُبَيْدَة الربذي وَقد روى عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل ذكر عِنْد يحيى بن سعيد عقيل وَإِبْرَاهِيم بن سعد فَجعل كَأَنَّهُ يضعفهما فَهَذَا ذكره لعقيل وَلم يذكر سَبَب ذَلِك وَلَعَلَّه قد ذكر لَهُ مَعَ مَالك وَلَو ذكر لَهُ مَعَ زَمعَة بن صَالح أَو صَالح بن أبي الْأَخْضَر لوثقه وَعظم أمره وَقَالَ عبد الرَّحْمَن الرَّازِيّ قيل لأبي حَاتِم أَيهمَا أحب إِلَيْك يُونُس أَو عقيل فَقَالَ عقيل لَا بَأْس بِهِ فقد قَالَ فِي مثل عقيل لَا بَأْس بِهِ وَيُرِيد بذلك تفضيله على يُونُس وَلَو قرن لَهُ عبد الْجَبَّار بن عمر لقَالَ عقيل ثِقَة ثَبت مُتَقَدم متقن وَقد سُئِلَ عَنهُ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ فَقَالَ ثِقَة صَدُوق فوصفه بِصفتِهِ لما لم يقرن بِغَيْرِهِ وَقد ذكر لأبي عبد الرَّحْمَن النسوي تَفْضِيل بن وهب اللَّيْث على مَالك فَقَالَ وَأي شَيْء عِنْد اللَّيْث لَوْلَا أَن الله تَدَارُكه لَكَانَ مثل بن لَهِيعَة وَلَا خلاف أَن اللَّيْث من أهل الثِّقَة والتثبت وَلكنه إِنَّمَا أنكر تفضيله على مَالك أَو مساواته بِهِ قَالَ أَبُو عبد الله وَسمعت أَبَا الْعَبَّاس يَقُول سَمِعت عَبَّاس بن مُحَمَّد يَقُول سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول قَالَ لي يحيى بن سعيد الْقطَّان لَو لم أحدث إِلَّا عَن كل من أرْضى لما حدثت إِلَّا عَن خَمْسَة وَهَذَا لَا خلاف أَنه أَرَادَ بذلك النِّهَايَة فِيمَا يرضيه لِأَنَّهُ قد أدْرك من الأيمة الَّذين لَا يطعن عَلَيْهِم أَكثر من هَذَا الْعدَد لِأَنَّهُ قد سمع من يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَمَالك بن أنس وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ وَهِشَام بن عُرْوَة وَابْن جريج وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد وَسَعِيد بن أبي عرُوبَة وسُفْيَان الثَّوْريّ وَشعْبَة
1 / 285
وَأدْركَ معمرا وَابْن عُيَيْنَة وهشاما الدستوَائي وَالْأَوْزَاعِيّ ونظراءهم كثيرا وَالْأَعْمَش وَحَمَّاد بن زيد وَابْن علية وعاصر وكيعا وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَعبد الله بن الْمُبَارك وَجَمَاعَة من أيمة الحَدِيث الَّذين لَا مزِيد عَلَيْهِم وروى بن الْمُبَارك عَن سُفْيَان الثَّوْريّ أَنه قَالَ أدْركْت حفاظ النَّاس أَرْبَعَة عَاصِمًا الْأَحول وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد وَيحيى بن سعيد قَالَ وَأرى هشاما الدستوَائي مِنْهُم وَلم يرد بِهَذَا أَنه لم يدْرك حَافِظًا غير هَؤُلَاءِ فقد أدْرك الْأَعْمَش ومالكا وَابْن عُيَيْنَة وَشعْبَة وَعبيد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب الْعَدوي الْعمريّ وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ وَسليمَان بن بِلَال التَّيْمِيّ وَقد قَالَ سُفْيَان مرّة أُخْرَى حفاظ الْبَصْرَة ثَلَاثَة سُلَيْمَان التَّيْمِيّ وَعَاصِم الْأَحول وَدَاوُد بن أبي هِنْد وَكَانَ عَاصِم أعظمهم وَلَا شكّ أَنه أَرَادَ فِي حَدِيث مَخْصُوص أَو معنى مَخْصُوص فَإِنَّهُ قد كَانَ بِالْبَصْرَةِ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَيُونُس بن عبيد الله وَعبد الله بن عون وَسَعِيد بن أبي عرُوبَة وَغَيرهم مِمَّن هم أحفظ فِي الْجُمْلَة وأتقن من عَاصِم وَقد روى بن معِين قَالَ حجاج بن مُحَمَّد قَالَ شُعْبَة عَاصِم أحب إِلَيّ من قَتَادَة وَأبي عُثْمَان لِأَنَّهُ أحفظهما فَبين شُعْبَة وَجه تفضيله لَهُ إِن ذَلِك مِمَّا يخْتَص بِحَدِيث أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ فَلَا يشك أحد فِي تفَاوت مَا بَين قَتَادَة وَعَاصِم بن سُلَيْمَان الْأَحول وَغير أبي عُثْمَان وَقد قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ سَمِعت يحيى بن سعيد وَذكر عِنْده عَاصِم الْأَحول فَقَالَ لم يكن بِالْحَافِظِ فإمَّا أَن يكون قد ظهر ليحيى بن سعيد من حَدِيث عَاصِم فِي شيخ من الشُّيُوخ مَا اقْتضى مَا اقْتضى مُخَالفَة مَا قَالَه سُفْيَان وَشعْبَة
1 / 286
فِيهِ أَو قد قرن لَهُ بِمن هُوَ فَوْقه فِي الْحِفْظ والإتقان كالزهري وَالْأَعْمَش وَقَتَادَة وَيحيى بن أبي كثير فقصر بِهِ عَن رتبتهم وَقد قَالَ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ فِيهِ هُوَ صَالح الحَدِيث فَتَأمل تفَاوت هَذِه الْأَلْفَاظ فِي ذكره وَاعْلَم أَن مُوجب ذَلِك اخْتِلَاف السُّؤَال وَالله أعلم وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي أيمة النَّاس فِي زمانهم أَرْبَعَة حَمَّاد بن زيد بِالْبَصْرَةِ وسُفْيَان بِالْكُوفَةِ وَمَالك بالحجاز وَالْأَوْزَاعِيّ بِالشَّام يَعْنِي فِي الحَدِيث وَالْعلم وَقد ترك اللَّيْث بِمصْر وَترك جمَاعَة غير هَؤُلَاءِ فَهَذَا كُله يدل على أَن ألفاظهم فِي ذَلِك تصدر على حسب السُّؤَال وتختلف بِحَسب ذَلِك وَتَكون بِحَسب إِضَافَة المسؤول عَنْهُم بَعضهم إِلَى بعض وَقد يحكم بالجرحة على الرجل بِمَعْنى لَو وجد فِي غَيره لم يجرح بِهِ لما شهر من فَضله وَعلمه وَأَن حَاله يحْتَمل مثل ذَلِك فقد قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ كتبنَا عَن عبد الله بن نمير فَرُبمَا لَا يذكر الْحَارِث بن حصيرة الْأَزْدِيّ وَلَا أَبَا يَعْفُور وَلَا حلام بن صَالح وَإِنَّمَا كَانَ يحدث عَن هَؤُلَاءِ الضُّعَفَاء ثمَّ حدث عَن هَؤُلَاءِ بعد ثمَّ قَالَ لَو كَانَ غير بن نمير لَكَانَ وَلكنه صَدُوق فعلى هَذَا يحمل أَلْفَاظ الْجرْح وَالتَّعْدِيل من فهم أَقْوَالهم وأغراضهم وَلَا يكون ذَلِك إِلَّا لمن كَانَ من أهل الصِّنَاعَة وَالْعلم بِهَذَا الشَّأْن وَأما من لم يعلم ذَلِك
1 / 287
وَلَيْسَ عِنْده من أَحْوَال الْمُحدثين إِلَّا مَا يَأْخُذهُ من أَلْفَاظ أهل الْجرْح وَالتَّعْدِيل فَإِنَّهُ لَا يُمكنهُ تَنْزِيل الْأَلْفَاظ هَذَا التَّنْزِيل وَلَا اعْتِبَارهَا بِشَيْء مِمَّا ذكرنَا وَإِنَّمَا يتبع فِي ذَلِك ظَاهر ألفاظهم فِيمَا وَقع الِاتِّفَاق عَلَيْهِ وَيقف عِنْد اخْتلَافهمْ وَاخْتِلَاف عباراتهم وَالله الْمُوفق للصَّوَاب برحمته
(بَاب وصف المجرح الَّذِي يطْرَح حَدِيثه وتمييزه من الْعدْل الَّذِي يُؤْخَذ بحَديثه)
وَإِذ لزم معرفَة الثِّقَة من غَيره فَإِن صفة المطرح حَدِيثه أولى بالمعرفة قَالَ مَالك لَا يُؤْخَذ الحَدِيث عَن أَرْبَعَة وَيُؤْخَذ عَمَّن سواهُم رجل معلن بالسفه وَإِن كَانَ أروى النَّاس وَرجل يكذب فِي أَحَادِيث النَّاس إِذا حدث وَإِن كنت لَا تتهمه بِالْكَذِبِ عَن رَسُول الله ﷺ وَصَاحب بِدعَة يَدْعُو إِلَى بدعته وَرجل لَهُ فضل وَلَا يعرف مَا يحدث بِهِ وَإِن كَانَ لَهُ فضل وَعبادَة وَأرَاهُ يُرِيد بقوله يَدْعُو إِلَى بدعته أَنه يقر بذلك فيظهرها حَتَّى تظهر عَلَيْهِ وَيثبت من اعْتِقَاده ومذهبه فَيجب أَن لَا يُؤْخَذ عَنهُ مَا دَعَا إِلَى بدعته أَو ترك ذَلِك وَقد روى يُونُس بن عبد الْأَعْلَى عَن بن وهب سَمِعت مَالِكًا يَقُول لَا يصلى خلف الْقَدَرِيَّة وَلَا يحمل عَنْهُم الحَدِيث فَرَوَاهُ على الْإِطْلَاق وَلم يشْتَرط أَن يكون دَاعيا وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي قيل لشعبة مَتى يتْرك حَدِيث الرجل قَالَ إِذا حدث عَن المعروفين بِمَا لَا يعرفهُ المعروفون وَإِذا أَكثر الْغَلَط وَإِذا أَتَى بِالْكَذِبِ وَإِذا روى حَدِيثا غَلطا مجتمعا عَلَيْهِ فَلم يتهم نَفسه فيتركه طرح حَدِيثه وَمَا كَانَ على غير ذَلِك فارو عَنهُ وروى أَشهب بن عبد الْعَزِيز سُئِلَ مَالك أيؤخذ مِمَّن لَا يحفظ وَيَأْتِي بكتبه فَيَقُول قد سَمعتهَا وَهُوَ ثِقَة فَقَالَ لَا يُؤْخَذ عَنهُ أَخَاف أَن يُزَاد فِي كتبه بِاللَّيْلِ وَهَذَا الَّذِي قَالَه ﵀ هُوَ النِّهَايَة فِي الِاجْتِهَاد إِلَّا أَنه قد عدم من يحفظ وَلَو لم يُؤْخَذ إِلَّا عَن من يحفظ لعدم من يُؤْخَذ عَنهُ فقد قل الْحفاظ واحتيج إِلَى الْأَخْذ عَمَّن لَهُ كتاب صَحِيح وَهُوَ ثِقَة ينْقل مَا فِي كِتَابه فَإِن كَانَ الْآخِذ مِمَّن يُمَيّز تبينت لَهُ الزِّيَادَة وَإِن كَانَ لَا يُمَيّز فَالْأَمْر فِيهِ ضعف وَلَعَلَّه الَّذِي عَنى مَالك ﵀ وَقد روى أَحْمد بن عَليّ بن مُسلم ثَنَا مُؤَمل بن إهَاب أَبُو عبد الرَّحْمَن قَالَ نَا يزِيد بن هَارُون قَالَ كَانَ هَا هُنَا شيخ يذكر الرِّوَايَة عَن أنس بن مَالك وَكَانَ أرَاهُ صَادِقا فَلَمَّا رأى كَثْرَة النَّاس عَلَيْهِ قَالَ عِنْدِي كتاب فَإِذا فِي كِتَابه شريك يَعْنِي أَحَادِيث شريك فَقَالُوا لَهُ هَذِه أَحَادِيث شريك قَالَ نعم أنس حَدثنَا عَن شريك فَمثل هَذَا وَمن يقرب مِنْهُ تستولي عَلَيْهِ الْغَفْلَة وَقلة الْمعرفَة لَا يُؤْخَذ عَنهُ وَإِن كَانَ متدينا
1 / 288
(بَاب فِي وجوب التَّحَرُّز فِي الْأَخْذ عَن الْعُدُول)
وَاعْلَم أَن أَخذ الحَدِيث يكون على وَجْهَيْن أَحدهمَا للْعَمَل بِهِ واتخاذه دينا فَهَذَا يجب أَن لَا يعْتَمد عَلَيْهِ إِلَّا بعد أَن يُؤْخَذ عَن الثِّقَة وَذَلِكَ الثِّقَة عَن ثِقَة حَتَّى يصل إِلَى النَّبِي ﷺ وَالثَّانِي أَن يُؤْخَذ ليعلم أَنه قد رُوِيَ وَيعلم وَجه ضعفه فَهَذَا يجوز أَن
1 / 289
يُؤْخَذ عَن كل ضرب وَرُوِيَ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ أَنه قَالَ أحب أَن أكتب الحَدِيث على ثَلَاثَة أوجه حَدِيث أكتبه أُرِيد أَن أدين بِهِ وَحَدِيث رجل أكتبه فأوقعه لَا أطرحه وَلَا أدين بِهِ وَحَدِيث رجل ضَعِيف أحب أَن أعرفهُ وَلَا أعبأ بِهِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ تعلم مَا لَا يُؤْخَذ بِهِ كَمَا تعلم مَا يُؤْخَذ بِهِ وَقد روى أَحْمد بن إِسْحَاق قَالَ رأى أَحْمد بن حَنْبَل يحيى بن معِين فِي زَاوِيَة بِصَنْعَاء وَهُوَ يكْتب صحيفَة معمر عَن أبان بن أبي عَيَّاش عَن أنس فَقَالَ لَهُ أَحْمد بن حَنْبَل تكْتب صحيفَة معمر عَن أبان عَن أنس وَتعلم أَنَّهَا مَوْضُوعَة فَلَو قَالَ لَك قَائِل أَنْت تَتَكَلَّم فِي أبان وتكتب حَدِيثه على الْوَجْه فَقَالَ رَحِمك الله أَبَا عبد الله أكتب هَذِه الصَّحِيفَة عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أبان بن أبي عَيَّاش عَن أنس وأحفظها كلهَا وَأعلم أَنَّهَا مَوْضُوعَة حَتَّى لَا يَجِيء بعد إِنْسَان فَيجْعَل بدل أبان ثَابتا الْبنانِيّ ويرويها عَن معمر عَن ثَابت عَن أنس فَأَقُول لَهُ كذبت إِنَّمَا هُوَ أبان لَا ثَابت وَأما أَدَاء الضَّرْب الأول إِلَى من يَنْقُلهُ فَوَاجِب ولازم فَإِنَّهُ لَا يجوز أَن يكتم علما يجد متحملا لَهُ وَأما الضَّرْب الثَّانِي فَهُوَ مُخَيّر فِي أَدَائِهِ إِلَى من يَنْقُلهُ عَنهُ أَو ترك ذَلِك فَإِن نَقله فليبين وَجهه وَقد قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ سَمِعت بشر بن الْمفضل وَقيل لَهُ إِن إِسْمَاعِيل بن علية يحدث عَن عبد الله بن زِيَاد بن سمْعَان فَقَالَ مَا شَأْنه اخْتَلَط بعدِي وَقَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ سَمِعت يحيى بن سعيد يَقُول يَنْبَغِي لصَاحب
1 / 290
الحَدِيث أَن يكون ثَبت الْأَخْذ وَيفهم مَا يُقَال لَهُ وَينظر الرِّجَال ويتعاهد ذَلِك وَالْأَصْل فِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تصيبوا قوما بِجَهَالَة فتصبحوا على مَا فَعلْتُمْ نادمين وَقد روى أَبُو أُسَامَة عَن بن عون عَن مُحَمَّد يَعْنِي بن سِيرِين أَنه قَالَ إِن هَذَا الحَدِيث دين فانظروا عَن من تأخذونه وَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك الْإِسْنَاد من الدّين لَوْلَا الْإِسْنَاد لقَالَ من شَاءَ مَا شَاءَ وَكَانَ بهز بن أَسد يَقُول إِذا ذكر لَهُ الْإِسْنَاد الصَّحِيح هَذِه شَهَادَة الْعُدُول المرضيين بَعضهم على بعض وَإِذا ذكر لَهُ الْإِسْنَاد وَفِيه شَيْء قَالَ هَذَا فِيهِ عُهْدَة وَيَقُول لَو أَن رجلا ادّعى على رجل عشرَة دَرَاهِم لم يسْتَطع أَخذهَا إِلَّا بِشَهَادَة الْعُدُول فدين الله أَحَق أَن يُؤْخَذ فِيهِ بالعدول وَقَالَ عَبدة بن سُلَيْمَان قيل لِابْنِ الْمُبَارك فِي هَذِه الْأَحَادِيث الْمَوْضُوعَة قَالَ يعِيش لَهَا الجهابذة وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ سَمِعت يزِيد بن أبي حبيب يَقُول إِذا سَمِعت الحَدِيث فأنشده كَمَا تنشد الضَّالة فَإِن عرف فَخذه وَإِلَّا فَدَعْهُ وَقَالَ بن عون لَا يُؤْخَذ هَذَا الْعلم إِلَّا عَن من شهد لَهُ بِالطَّلَبِ وروى الْمُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ كَانُوا إِذا أَرَادوا أَن يَأْخُذُوا عَن الرجل نظرُوا إِلَى صلَاته وَإِلَى هَيئته وَإِلَى سمته وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي قَالَ شُعْبَة كنت أنظر إِلَى فَم قَتَادَة فَإِذا قَالَ حَدثنَا كتبنَا عَنهُ فوقفته عَلَيْهِ وَإِذا لم يقل حَدثنَا لم أكتب عَنهُ قَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي خصلتان لَا يَسْتَقِيم فِيهَا حسن الظَّن الحكم والْحَدِيث يَعْنِي لَا يسْتَعْمل حسن الظَّن فِي قبُول الرِّوَايَة عَمَّن لَيْسَ بمرضي
1 / 291
(بَاب ذكر أَسَانِيد مُتَّفق على اطراحها)
وَإِذ قد تقدم قَوْلنَا فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل فَنَذْكُر من الْأَسَانِيد مَا اتّفق على طَرحه وَنَذْكُر مَا اتّفق على صِحَّته وَوُجُوب الْأَخْذ بِهِ ليَكُون عونا للنَّاظِر فِي السقيم وَالصَّحِيح فمما اتّفق على اطراحه وَتَركه مَا روى
1 / 292