La nourriture dans l'ancien monde
الطعام في العالم القديم
Genres
ويبقى شيئان ثابتان دون تغير؛ إذ نجد أن أهم الأطباء يتخصصون في الأمراض التي تصيب الأغنياء وليس في المشاكل التي يعاني منها الفقراء؛ فينصب اهتمام الباحثين والأطباء على التخفيف من آثار السمنة والإفراط في تناول الطعام، وليس على آثار سوء التغذية والنظام الغذائي الرديء.
والجانب الثاني والأكثر لفتا للانتباه هو أننا نؤيد بلا تردد أي نظريات حالية عن الطعام والتغذية، ونوافق على أن هذه النظريات تؤثر على اختيارنا للطعام وطريقة تحضيره؛ فما من قائمة تسوق في زمن ما بعد الحرب العالمية إلا كانت تتضمن الحليب والزبد لضمان أسنان وعظام صحية، وكذلك دهن الخنزير ودهون بقرية للحصول على القوة، ومشروبات سكرية للحصول على الطاقة. وكانت كل الافتراضات صحيحة بالأساس، وكانت تعبر عن معتقدات عصر لم تكن فيه الكميات الصناعية للملح والدهون الرخيصة والسكارين تشكل بعد جزءا من الخطة القومية للطعام، وقبل تحول الطهي في معظمه إلى إعادة تسخين المنتجات السابقة التحضير. وتسببت الأطعمة التي لم تعد توزع بنظام الحصص حديثا، مثل السكر والحلويات، في الكثير من حالات تسوس الأسنان، ولكن لم تتسبب في السمنة إلا فيما ندر. وكان الزبادي والأطعمة المنخفضة الدهون أو المنخفضة السكريات نادرة، ولم يكن أحد يدرك أنها ضرورية.
إن الأملاح والدهون الكامنة التي تحتوي عليها الوجبات الجاهزة المصنعة - التي ظهرت في حقبة السبعينيات من القرن العشرين والعقود التي أعقبتها - قد أدت إلى آثار أسوأ بكثير على الرغم من زيادة الوعي الصحي والغذائي، وفي الوقت نفسه انتشرت الصيحات الغذائية الجديدة القائمة على الكربوهيدرات أو الأنظمة الغذائية القائمة على حمية الجمع بين الأطعمة.
واللافت للنظر ليس أننا نقبل تلك النصائح بلا تردد، بل هو أن التغيرات المهمة التي تطرأ على كيفية تناولنا للطعام ونوعية الطعام الذي نأكله تنبع من ذلك؛ فالحيوانات تربى لتكون أكثر نحافة، وأصبح يعتقد أن الخضراوات هي الخيارات الأكثر فائدة للصحة على الرغم من الرواسب الكيميائية الناتجة عن الرش بالمبيدات، وصارت الكربوهيدرات - وهي الحبوب التي يعتمد عليها النظام الغذائي لبلدان البحر المتوسط - هي العناصر غير المستحبة في الوجبة حاليا.
وبالمثل، فإن النصائح الطبية والنصائح المتعلقة بالتغذية التي سادت في العصور الإغريقية والرومانية كانت ستؤثر على الخيارات التي تتخذ والأطباق التي تحضر بنفس الطريقة تقريبا؛ ولذلك فأي معرفة طفيفة بالمعتقدات التي كانت سائدة ستساعد في فهم الأسباب التي أدت إلى إهمال أطعمة معينة في الوقت الذي كانت فيه أطعمة أخرى تحظى بإقبال كبير.
ومعظم الأعشاب والتوابل التي نستعملها في الطهي جاءت من خزانة الأدوية؛ فالكزبرة مثلا كان يفترض أنها تفيد في التخلص من حشرات الفراش، وكانت لدى القدماء معرفة متطورة عن آثار النباتات وأنواع الفطر الفعالة وكانوا يستخدمونها. وكانت تجارة الحبوب ستوفر البنية التحتية لتداول المزيد من السلع المجلوبة من الخارج مثل التوابل والنباتات الطبية، وكذلك الأفكار والمعارف التي جاءت معها من الشرق.
الفصل الثامن
الآراء الطبية المتعلقة بالطعام
يفضل الكثير من الأطباء الخس على كل أنواع الخضراوات الأخرى، تماما كما يفضلون التين من بين فاكهة الخريف ... ولو كان ذلك صحيحا، لكان الخس بلا منافس، ليس فقط بين الخضراوات بل أيضا بين كل الأطعمة المفيدة والمغذية؛ إذ يقول الأطباء إنه يساعد في تكوين الدم، وبعضهم لا يشير إلى دوره في تكوين الدم فحسب، بل يضيفون عبارة «كمية كبيرة»؛ إذ يؤكدون أن الخس يكون كمية كبيرة من الدم. ولكن هؤلاء ... أبعد ما يكونون عن الحقيقة.
ينتقد جالينوس بشدة معهودة أخطاء الأطباء الآخرين في كتابه («عن قوى الأطعمة»). كان الأطباء يعملون في طليعة العلم في العالم المادي للجسم حيث كانت أفضل المؤشرات التي يستدل بها على صحة الجسم هي المظهر الخارجي، وخواص الإخراج من بول وبراز، وخواص ما يدخل الجسم من طعام وشراب؛ لذلك كانوا كثيرا ما يختلفون على الأدلة. وامتد الخلاف إلى الآثار التي يسببها طعام معين في الجسم.
Page inconnue