وتتصل باكستان الشرقية ببحار العالم عن طريق ميناء شيتاكونك، وهو ميناء حديث آخذ في الاتساع، وقد لا يمضي وقت طويل حتى يصبح من أكبر الموانئ ومن أكبر المراكز التجارية في الشرق.
مولد دولة جديدة
شهد فجر القرن الثامن عشر الميلادي بداية النهاية للحكم المغولي في شبه القارة الهندية، وذلك بعد أن أرسيت تقاليد الإسلام وثقافته في هذه الأرجاء الواسعة. وقد أعقب هذه النهاية انهيار في القوة السياسية وتفكك في عرى الوحدة، ونشأت حالة من الفوضى مهدت لقوة أجنبية طريق حكم البلاد، ونتج عن هذا أن عملت شركة الهند الشرقية على إقامة إمبراطورية هناك تسلمتها منها بعد زمن وجيز بريطانيا العظمى.
وكانت آخر محاولة قام بها مسلمو شبه القارة لاستعادة مراكزهم تلك المحاولة التي ظهرت في عام 1857 والتي أطلق عليها بعض المؤرخين بلا حق حركة «العصيان الهندي»، وقد نتج عن هذه الحركة تحطيم قوة المسلمين السياسية والاقتصادية، وخلا الجو للإمبراطورية الهندية البريطانية التي عرفت كيف تبسط سلطانها على البلاد بقوة وبعزم.
وكان من نتيجة هذه السياسة أن قاسى المسلمون كثيرا، وكان عليهم والحالة هذه أن يبتعدوا عن البريطانيين بل وأن يقاطعوهم.
هذا هو الموقف الذي واجه السيد أحمد خان عام 1858، وهذا هو الوضع الذي ظل قرابة أربعين سنة من بعده، ولكن أحمد خان رأى بثاقب فكره أن هذه السياسة التي يتبعها المسلمون لن تؤدي إلى غاية، وأن مما يدعو المسلمين لأن يجاهدوا في سبيل بقائهم وكيانهم وجوب تزودهم بكل ما تنطوي عليه الحضارة الأوربية الغازية، وكان أن بذل جهوده لتعليم الشعب وتدريب الشبيبة المسلمة على المساهمة في تحديد الهدف السياسي والاقتصادي.
وكان أول عمل قام به السيد أحمد أن بذل جهودا مشكورة في خلق جو من التفاهم بين الطوائف المختلفة بالهند، وفي عام 1885 ظهر حزب المؤتمر الهندي وأخذ السيد أحمد يرقبه عن بعد طوال ثلاث سنين، انتهى بعدها إلى الحكم عليه بضيق أفقه، وفي هذه الأثناء ثار جدال حول استعمال اللغة الأوردية واللغة الهندية، وتأثر السيد أحمد خان بما رآه من تنافر بين الحضارتين الإسلامية والهندية، وأدرك - وكان أول من أدرك - أنهما حضارتان منفصلتان ليس بينهما تقارب أو تماثل.
وكان يعرف أن تنافرهما لا يقتصر على اللغة بل يتعداه إلى الميدان السياسي والاقتصادي والثقافي كذلك. وعلى هذا يمكن أن يقال إن السيد خان كان أول من فكر في وجوب إقامة دولة وأمة منفصلة تضم المسلمين وتبتعد عن الهندوس، وعلى هذا أيضا يمكن أن يقال إن السيد أحمد خان كان أول باكستاني.
وبعد أن استأثرت رحمة الله بالسيد أحمد خان قام نواب محسن الملك ونواب وقار الملك فتزعما المسلمين في حركاتهم السياسية، وكان أول عمل لهما أن أبديا استنكارهما للسياسة اللغوية في البلاد.
وكان من أثر هذا التحدي الذي لمسه المسلمون من الأغلبية أن تيقظ الوعي القومي بينهم وسرت فيهم موجة كبيرة من النشاط والعمل، وتنبه المسلمون إلى ضرورة إنشاء وطن خاص بهم يستطيعون فيه أن يكفلوا مصالحهم، وتركزت كل جهودهم في تنظيم صفوفهم، وبدا ذلك بوضوح في عليكرة عام 1901.
Page inconnue