La Vision
التبصرة
Maison d'édition
دار الكتب العلمية
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م
Lieu d'édition
بيروت - لبنان
بِاللَّيْلِ هَاجِعَةً، وَنَسِيَتْ أَهْوَالَ يَوْمِ الْوَاقِعَةِ، وَلأُذُنٍ تقر عنها الْمَوَاعِظُ فَتُضْحِي لَهَا سَامِعَةً، ثُمَّ تَعُودُ الزَّوَاجِرُ عِنْدَهَا ضَائِعَةً، وَلِنُفُوسٍ أَضْحَتْ فِي كَرَمِ الْكَرِيمِ طَامِعَةً، وَلَيْسَتْ لَهُ فِي حَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ طَائِعَةً، وَلأَقْدَامٍ سَعَتْ بِالْهَوَى فِي طُرُقٍ شَاسِعَةٍ، بَعْدَ أَنْ وَضَحَتْ لَهَا سُبُلٌ فَسِيحَةٌ وَاسِعَةٌ، وَلِهَمَمٍ أَسْرَعَتْ فِي شَوَارِعِ اللَّهْوِ شَارِعَةً، لَمْ تَكُنْ مَوَاعِظُ الْعُقُولِ لَهَا نَافِعَةً، وَلِقُلُوبٍ تُضْمِرُ التَّوْبَةَ عِنْدَ الزَّوَاجِرِ الرَّائِعَةِ، ثُمَّ يَخْتَلُّ الْعَزْمُ بِفِعْلِ مَا لا يَحِلُّ مِرَارًا مُتَتَابِعَةً، ثَالِثَةً بَعْدَ ثَانِيَةٍ وَخَامِسَةً بَعْدَ رَابِعَةٍ.
كَمْ يَوْمٍ غَابَتْ شَمْسُهُ وَقَلْبُكَ غَائِبٌ، وَكَمْ ظَلامٍ أَسْبَلَ سِتْرَهُ وَأَنْتَ فِي عَجَائِبَ، وَكَمْ أُسْبِغَتْ عَلَيْكَ نعمه وأنت للمعاصي توائب، وَكَمْ صَحِيفَةٍ قَدْ مَلأَهَا بِالذُّنُوبِ الْكَاتِبُ، وَكَمْ يُنْذِرُكَ سَلْبُ رَفِيقِكَ وَأَنْتَ لاعِبٌ، يَا مَنْ يَأْمَنُ الإِقَامَةَ قَدْ زُمَّتِ الرَّكَائِبُ، أَفِقْ مِنْ سكرتك قبل حسرتك عَلَى الْمَعَايِبِ، وَتَذَكَّرْ نُزُولَ حُفْرَتِكَ وَهُجْرَانَ الأَقَارِبِ، وانهض على بِسَاطِ الرُّقَادِ وَقُلْ: أَنَا تَائِبٌ، وَبَادِرْ تَحْصِيلَ الْفَضَائِلِ قَبْلَ فَوْتِ الْمَطَالِبِ، فَالسَّائِقُ حَثِيثٌ وَالْحَادِي مُجِدٌّ وَالْمَوْتُ طَالِبٌ.
(لأَبْكِيَنَّ عَلَى نَفْسِي وَحَقٌّ لِيَهْ ... يَا عَيْنُ لا تَبْخَلِي عَنِّي بِعَبْرَتِيَهْ)
(لأَبْكِيَنَّ فَقْدَ بَانِ الشَّبَابِ وَقَدْ ... جَدَّ الرَّحِيلُ عَنِ الدُّنْيَا بِرِحْلَتِيَهْ)
(يَا نَأْيَ مُنْتَجَعِي يَا هَوْلَ مُطَّلَعِي ... يَا ضِيقَ مُضْطَجَعِي يَا بُعْدَ شُقَّتِيَهْ)
(الْمَالُ مَا كَانَ قُدَّامِي لآخِرَتِي ... مَا لا أُقَدِّمُ مِنْ مَالِي فَلَيْسَ لِيَهْ)
أَسَفًا لِغَافِلٍ لا يَفِيقُ بِالتَّعْرِيضِ حَتَّى يَرَى التَّصْرِيحَ، وَلا تَبِينُ لَهُ جَلِيَّةُ الْحَالِ إِلا فِي الضَّرِيحِ، كَأَنَّهُ وَقَدْ ذَكَّرَهُ الْمَوْتُ فَأَفَاقَ، فَانْتَبَهَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ فِي السِّبَاقِ، وَاشْتَدَّ بِهِ الْكَرْبُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ، وَتَحَيَّرَ فِي أَمْرِهِ وَضَاقَ الْخِنَاقُ، وَصَارَ أَكْبَرَ شَهَوَاتِهِ تَوْبَةٌ مِنْ شِقَاقٍ، هَيْهَاتَ مَضَى بِأَوْزَارِهِ الثَّقِيلَةِ، وَخَلا بِأَعْمَالِهِ وَاسْتَوْدَعَ مَقِيلَهُ، وَغُيِّبَ فِي الثَّرَى وَقِيلَ لا حِيلَةَ، وبات الندم يَلْزَمُهُ وَبِئْسَ اللاحِي لَهُ.
فَتَفَكَّرُوا إِخْوَانِي فِي ذَلِكَ الْغَرِيبِ، وَتَصَوَّرُوا أَسَفَ النَّادِمِ وَقَلَقَ الْمُرِيبِ،
1 / 90