119

La Vision

التبصرة

Maison d'édition

دار الكتب العلمية

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م

Lieu d'édition

بيروت - لبنان

قَرِيبٌ! فَصَرَخَ الرَّاهِبُ وَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: سَيِّدِي لَكَ الْعُتْبَى لا أَعُودُ فِيمَا يَقْطَعُنِي عَنْكَ. فَصَمَتَ عَنِ الْكَلامِ حَتَّى مَاتَ.
كَمْ غَرَّ الْغُرُورُ غِرًّا، أَمَدَّ لَهُ أَطْنَابَ الطَّمَعِ عَلَى أَوْتَادِ الْهَوَى، وَسَامَرَهُ فِي خَيْمَةِ الْمُنَى يُمْلِي عَلَيْهِ أَمَالِيَ الآمَالِ، وَمَا أَجَالَ فِيمَا جَالَ سَهْوَ ذِكْرِ الآجَالِ، ثُمَّ وَجَّهَ إِلَى جِهَةِ الْجَهْلِ وَالْغَفْلَةِ، فَسَلَّمَا إِلَيْهِ مَنْشُورَ التَّسْوِيفِ، فَلَمَّا ضُرِبَ بُوقُ الرِّحْلَةِ وَقَرُبَتْ نُوقُ النُّقْلَةِ سَلَّ مَا سَلَّمَا إِلَيْهِ، فَأُلْقِيَ كَاللَّقَى عَلَى بَابِ النَّدَمِ!
(إِلامَ أُمَنِّي النَّفْسَ مالا تَنَالُهُ ... وَأَذْكُرُ عَيْشًا لَمْ يَعُدْ مُذْ تَصَرَّمَا)
(وَقَدْ قَالَتِ السِّتُّونَ لِلَّهْوِ وَالصِّبَا ... دَعَا لِي أَسِيرِي وَاذْهَبَا حَيْثُ شِئْتُمَا)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الشَّاهِدُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ،
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ يَقُولُ لِرَجُلٍ رَآهُ يَضْحَكُ: لا تَطْمَعَنَّ فِي بَقَائِكَ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ مَصِيرَكَ إِلَى الْمَوْتِ، فَلَمْ يَضْحَكْ مَنْ يَمُوتُ وَلا يَدْرِي أَيْنَ مَصِيرُهُ: إِلَى الْجَنَّةِ أَمْ إِلَى النَّارِ، وَلا يَدْرِي أَيَّ وَقْتٍ يَكُونُ الْمَوْتُ: صَبَاحًا أَوْ مَسَاءً، بِلَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ. ثُمَّ قَالَ: أُوهْ وَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ.
سَجْعٌ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى
﴿يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فيه القلوب والأبصار﴾ لَوْ رَأَيْتَ أَرْبَابَ الْقُلُوبِ وَالأَسْرَارِ، وَقَدْ أَخَذُوا أُهْبَةَ التَّعَبُّدِ فِي الأَسْحَارِ، وَقَامُوا فِي مَقَامِ الْخَوْفِ عَلَى قَدَمِ الاعْتِذَارِ ﴿يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فيه القلوب والأبصار﴾ .
عَقَدُوا عَزْمَ الصِّيَامِ وَمَا جَاءَ النَّهَارُ، وَسَجَنُوا الألسنة فليس فيهم مهذار، وغضوا أبصارهم ولازم غَضَّ الأَبْصَارِ، فَانْظُرْ مَدْحَهُمْ إِلَى أَيْنَ انْتَهَى وصار، أحزانهم أحزان ثكلى ما لهذا اصْطِبَارٌ، وَدُمُوعُهُمْ لَوْلا التَّحَرِّي لَقُلْتُ كَالأَنْهَارِ،

1 / 139