ثم ينتقل بنا ابن سينا في كتابه «الإشارات والتنبيهات» إلى مرحلة جديدة، وهي تدوين جملة من الملاحظات الرصدية الخاصة بظاهرتي الحرارة والبرودة، وسيساعدنا أحد أتباعه - وهو نصير الدين الطوسي (توفي 672ه/1274م) - في شرح وتحديد مقصده من كل ملاحظة دونها. (أ) الحالات الحدية للمادة
يضع لنا ابن سينا أربع حالات حدية يمكن أن تبلغها المادة حسب تعرضها للحرارة والبرودة.
قال ابن سينا إن «الجسم البالغ في الحرارة بطبعه هو النار، والبالغ في البرودة بطبعه هو الماء، والبالغ في الميعان هو الهواء، والبالغ في الجمود هو الأرض.»
50
وقد علق نصير الدين الطوسي على هذه العبارة بقوله إن ابن سينا «بدأ بالنار، فنبه بقوله «البالغ في الحرارة» على كون الحرارة كيفية تشتد وتضعف، لا صورة تقوم بجوهرها الذي لا يختلف. وأشار بقوله «بطبعه» إلى مصدر تلك الحرارة؛ أعني الصورة النوعية. وأورد القضية في صيغة تدل على مساواة طرفيها ليعلم أن هذا القول مميز للنار عما سواها، ومعرف لماهيتها.»
51
ويتابع الطوسي شرحه فيما يتعلق بالبرودة فيقول: «وأما برودة الماء فقد ذهب قوم كثير - منهم الشيخ أبو البركات
52
من المتأخرين - إلى أن الأرض أبرد من الماء لأنها أكثف، وإن كان الإحساس ببرودة الماء لفرط وصوله إلى المسام والتصاقه بالأعضاء أشد، كما أن النار أسخن من النحاس المذاب، مع أن الإحساس به أشد.»
53 (ب) الحالات النسبية
Page inconnue