Les Naturalismes en Théologie: Du Passé au Futur
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
Genres
إنه نفي الكليات والإقرار بأنطولوجية الجزئي فقط، ولئن كان قد عاد إلى الظهور بقوة في الفلسفة المعاصرة خصوصا مع الوضعية المنطقية، وفي المنطق الرياضي الحديث، فإنه مع المتكلمين أدى إلى نتائج وبيلة هي نفي المعقوليات، فليس للجوهر امتداد ولا كمية ولا عدد، كلها اعتبارات ذهنية أو ذاتية لا موضوعية تبتدعها المخيلة ويفترضها الفكر، وأول ما أنكروه من الكليات والمعقولات هو المقدار؛ لأن الجسم مكون من أجزاء لا تتجزأ فلا تكميم ولا قياس، وتلك من الضربات القاتلة للطبيعيات الكلامية.
لقد كان نفي المعقولات والكليات من الخطورة بحيث شق خندقا بين الطبيعيات وبين المعرفة أدى إلى الانفصال البائن بينها وبين المشكلة الإبستمولوجية، لتبقى أنطولوجية أولا وأخيرا، والأنطولوجيا الكلامية لم تكن إلا ثيولوجية. (2) الحدوث في محنة المعتزلة وكارثة الأشاعرة
كان هذا هو الطريق الذي سار فيه الأشاعرة إلى آخر المدى، أو بالأحرى إلى قاع الهاوية، إلى نظرة تدميرية للعالم، تسرف في تأكيد عجز الذات العارفة مقابل تأكيد القدرة الإلهية التي تجري وفقها الأحداث في كل لحظة.
الأحداث كلها مع الأشاعرة مستندة إلى الله ابتداء بلا وجوب، فلا قوانين ولا طبائع ولا حتمية ولا نظام في الطبيعية، وكما هو معروف، نفوا أي ترابط سببي علي بين الأحداث؛ لأنهم رأوا العلية كقوة محدثة شركا؛ إذ تعطل عمل الخالق، فضلا عن خطرها على فكرة المعجزة. وللتخفيف من وقع المصادفة التي ما كان العقل الطبيعي يتقبلها آنذاك وضعوا نظرية الاقتران والعادة.
فنحن نفسر الاقتران بين الأحداث على أنه تلازم علي؛ لأننا «اعتدنا» رؤيته دائما، العادة فقط هي التي تظهر الكون في امتداده، بينما هو في تغير مستمر غير قابل لتعقل الإنسان، وبهذا رفع العقل يده تماما عن عملية المعرفة بالطبيعيات.
لم يكتف الأشاعرة بإخراج الطبيعيات من الإبستمولوجيا، بل إنهم ببساطة حذفوا المشكلة الإبستمولوجية أصلا ونفوا إمكانية ومشروعية ومصداقية وجدوى المعرفة الطبيعية، إيذانا بدليل عجز العقل الإسلامي أمام الواقع والوقائع. •••
هل يبرأ المعتزلة من هذا؟ أجيب بتحفظ أقرب إلى النفي، هذا على الرغم مما يسود الفكر المعاصر في توجهاته العقلانية والتحديثية من إسراف وإفراط في تمجيد المعتزلة، حتى يذهب حسين مروة إلى أن انتكاسة الحضارة العربية برمتها بسبب محنة المعتزلة، ولولاها لكان من المفترض - بحكم ظاهرات التقدم العلمي في القرن التاسع الميلادي - أن تتجه الحركة العقلية الفلسفية بخاصة اتجاها أكثر واقعية وأكثر ارتباطا بنتائج تطور العلوم التطبيقية في ذلك العصر.
32
إن التوجه عام نحو تمجيد المعتزلة ونزعتهم العقلانية، مقابل الإدانة المطلقة للأشاعرة فيما أسماه جورج طرابيشي: «دراما المعتزلة والأشاعرة.»
33
Page inconnue