Les Naturalismes en Théologie: Du Passé au Futur
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
Genres
13
ولكي يثبت العلاف أن العالم متغير، وبالتالي حادث والله هو القديم الأوحد ذو العلم والقدرة الشاملين، استعان بالمذهب الذري المعروف بالهند القديمة، ومع لوقيبوس وديمقريطس والأبيقوريين، بعد أن وضع له اسما أو مصطلحا إسلاميا هو «مذهب الجوهر الفرد». وسرعان ما أخذه من العلاف كل المعتزلة باستثناء النظام القائل بالكمون والطفرة، أخذه أيضا الأشاعرة، بل إن المذهب اكتمل تماما مع الأشعري والباقلاني. لقد فرض هذا المذهب نفسه واستبد بالأنطولوجيا الكلامية، بل ظل مصطلح الجوهر وأعراضه يتردد كثيرا بوعي وبغير وعي حتى في طبيعيات الفلاسفة، وهم قد رفضوا الجوهر الفرد ووضعوا بدلا منه الفيض أو الهيولي الأرسطي، والذي رفضه المتكلمون بدورهم؛ لأن الهيولي سلب مطلق وينفي عملية الخلق من العدم.
على الإجمال؛ أصبح الجوهر الفرد حجر الزاوية والممثل الرسمي للطبيعيات الكلامية، وأكثر نظرياتهم اكتمالا وثراء ، ومن المعالم المميزة لعلم الكلام بأسره ، حتى إن هنري كوربان يقول عن علم الكلام إنه أصبح اسما لمدرسة فلسفية تقول بمبدأ الذرة،
14
ولكن لم يكن الجوهر الفرد مجرد نقل للذرة، بل إنه يحمل كل خصائص وتوجهات علم الكلام، ويمثل قدرته على الاستفادة من الثقافات الأخرى دون الذوبان فيها، وبالمثل تماما نجد المتكلمين يستعملون مصطلحي أرسطو الشهيرين الجوهر وأعراضه بطريقة تكاد تختفي منها المعالم الأرسطية.
فقد كانت الذرة محاولة لتفسير العالم الطبيعي وفهمه، أما الجوهر الفرد فمحاولة لتفسير علاقة الله بالعالم، تبدأ من وجود الله وتنتهي إلى إثبات قدرته وعلمه الشاملين في دائرة مغلقة من الثيولوجيا إلى الأنطولوجيا وبالعكس: الله ← العالم ← الله.
الذرة مع الإغريق أزلية لامتناهية، تتحرك حركة لامتناهية في فراغ لامتناه، حركته تجعل الكون آليا ميكانيكيا تتكون موجوداته من التقاء الذرات، فيستغني عن الألوهية وعن فعل الخلق، أما مع متكلمي الإسلام - المعتزلة والأشاعرة على السواء - فقد أصبح الجوهر الفرد مخلوقا حادثا متناهيا، الله هو الذي أحدثه وأوجد فيه الوجود والعدم والحركة والسكون.
فقد أضاف العلاف إلى الحركة الذرية الإغريقية السكون الذي نفاه ديمقريطس. كان السكون مع العلاف رفضا لفكرة التقاء الذرات وإقرارا بفعل الخلق، فحدوث العالم يقتضي حدوث الحركة، «وهذا يعني أن الحركة متناهية لها أول وآخر، فتكون مسبوقة بكون ومنتهية به، حتى إنه انتهى بانقطاع حركات أهل الخلدين (الجنة والنار)؛ لأنها ستنتهي إلى سكون مطلق.»
15
إلى كل هذا الحد لم يكن الجوهر الفرد إلا إثبات الوجود لله، بل وتأدى معهم إلى نوع من الخلق المستمر امتد من الكلام إلى الحكمة حتى قال به ابن رشد.
Page inconnue