Les Naturalismes en Théologie: Du Passé au Futur
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
Genres
11
حيث كان غرض المتكلمين الأول هو إبطال مذاهب الخصوم؛ المانوية المجوسية والمزدكية والبابكية والثنوية وغيرهم، باتخاذ الشاهد (= العالم ونظامه) أصلا للتدليل على الغائب (= العقائد).
وهذه عقلية بيانية؛ أي إن آليتها أو أداتها لإنتاج المعرفة هي البيان الذي هو أصلا آلية لغوية، هي آلية التشبيه التي تؤسس البلاغة العربية. إن علوم اللغة والبلاغة لها ريادتها المعروفة للعقل العربي بحكم لغوية الحدث القرآني، إنه بيان.
وقد تكون العقل العربي في العصر العباسي الأول - عصر التدوين - من خلال تشييده لعلوم البيان، وأعلاها تقعيده لقواعد اللغة العربية، وأبدع في هذا إبداعا قل مثيله في تاريخ الفكر البشري،
12
واحتل أوسع رقعة في الثقافة العربية.
يطلب الجابري على هذه المرحلة، وهي التي شهدت نشأة ثم ازدهار علم الكلام، اسم مرحلة العقل البياني؛ لأن الخطاب العربي فيها يؤسسه فعل عقلي واحد؛ أي آلية ذهنية واحدة قوامها ربط أصل بفرع لمناسبة بينهما: إنه القياس بتعبير النحاة والفقهاء، أو هو استدلال بالشاهد على الغائب بتعبير المتكلمين؛ لذا أسماه الجابري النظام المعرفي البياني، يتلوه المرحلة أو النظام المعرفي البرهاني (= الحكمة) حيث المعقول الأرسطي، ثم النظام المعرفي (= سيادة الأشعرية والتصوف) حيث الغنوصيات المشرقية.
ويهمنا الآن أن هذه الآلية البيانية أو قياس الغائب على الشاهد أو دليل الحدوث هو صلب الطبيعيات وهيكلها، والذي جعلها تدور في دائرة مغلقة من الثيولوجيا إلى الأنطولوجيا ... وبالعكس ... هذه الدائرة المغلقة حالت دون نماء بذور واعدة احتواها تصور أسلافنا للطبيعيات. على أية حال بدأ هذا التصور بدليل الحدوث الذي شق طريقه ورسم مساره وحدد معالمه. •••
في هذا الدور الرئاسي لدليل الحدوث في تصور الطبيعيات نجد العالم الطبيعي حادثا؛ أي مخلوقا؛ لأنه متغير، القديم فقط هو الذي لا يتغير؛ لذلك كانت أولى المشاكل الطبيعية التي بحث فيها المتكلمون؛ هل العالم ثابت أم متغير؟ وعلى طريقتهم الجدلية - بمعنى الخطابية - كما يريدون من طرح هذا السؤال إثبات أن العالم متغير.
ودائما المعتزلة هم المنشئون الحقيقيون لقضايا علم الكلام، وكان شيخهم أبو الهذيل العلاف (135-226ه/752-840م) أول من يبحث في هذا السؤال، فكان أول من يخوض في الطبيعيات، وأول من يفسح المجال للفلسفة كي يستعين بها الكلام، هادفا إلى بيان عمل القدرة الإلهية «في محيط أهم مقدور لها وهو العالم»،
Page inconnue