La nature et au-delà de la nature : la matière, la vie, Dieu
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
Genres
من هذه التعريفات يلزم أن الموجود اللامتناهي بالفعل بسيط كل البساطة، كما قلنا: إن البسيط لامتناه بالفعل؛ إذ لو كان مركبا قابلا للقسمة لكان كل جزء من أجزائه متناهيا، وكان هو وأجزاؤه كلا لامتناهيا، وهذا خلف. وما القول بلانهائية الله سوى تعبير آخر عن الكمال؛ لأن الله وحده كامل مطلق، لا لامتناه نسبيا، كأنه يفوق المخلوقات وحسب؛ لذا لا يعود هناك وجه للتساؤل إن كان العالم يزيد وجودا على وجود الله. كلا؛ فإن العلة تحتوي وجود المعلول على نحو أعلى، فكيف نجمع بينهما؟ هل نجمع الأضواء المنتشرة على الأشياء إلى ضوء الشمس مصدرها؟ هل نجمع العلم المخطوط في كتاب إلى علم مؤلف الكتاب؟ هل يزيد الضوء المنتشر في العالم شيئا على ضوء الشمس؟ أو هل يزيد العلم المدون في كتاب شيئا إلى علم المؤلف؟
والأصل في وصف الله باللانهاية التفكير المسيحي، فقد كان آباء الكنيسة أو أئمتها ينفرون من صفة المحرك الأول؛ لأن الحركة ظاهرة مادية، والله روح صرف، الأليق به صفات روحية دالة على الذات الإلهية نفسها، لا على فعل أيا كان من أفعالها. قال القديس ألبرت الأكبر: إن الحكم بوجود ذات لامتناهية ابتداء من المعلولات المتناهية، خروج بمبدأ العلية إلى أبعد مما يجوز، إذ إن هذا المبدأ لا يتطلب سوى علة متناسبة مع المعلول، والمعلول الذي هو العالم متناه. وقال دنس سكوت: إن إله المسيحية لامتناه، وإن هذه هي الصفة الأساسية التي تميز الخالق من المخلوق، فيجب أن يمضي البرهان على وجود الله من مقدمة تؤدي رأسا إلى هذه النتيجة، وبرهان المحرك الأول، على ما له من قيمة ضرورية لابتنائه على مبدأ العلية، يبلغ إلى العلة بالحركة التي هي ظاهرة مادية حادثة على كل حال، فلا يعرفنا الله إلا بواسطة أدنى كمالاته، ولا ينتج بالذات أن الله لامتناه؛ لأن الأول في جنس معين قد يكون متناهيا. هذا غير صحيح؛ لأن المحرك الأول ليس متحركا أول كالفلك المحيط في العلم القديم، ولكنه المحرك غير المتحرك، أي العلة الأولى للحركة، فهو علة خارجة عن المتحركات، وإلا كانت مفتقرة إلى علة، وتسلسلنا، فلم نصل إلى علة حقة. فالعلة الأولى موجود لامتناه بالضرورة من حيث هو علة أولى. (4) الوحدانية
من بساطة الذات الإلهية؛ ومن لا نهائيتها، تلزم الوحدانية: وهي غير الواحدية التي تعني عدم انقسام الموجود في ذاته، وانفصاله عما سواه، بينما الوحدانية تعني عدم وجود نظير أو شبيه أو مثيل. والواقع أن ليس يوجد، وليس يمكن أن يوجد سوى إله واحد أو وحداني. أما أن الوحدانية تلزم من البساطة فلأن الموجود بطبيعته وذاته موجود بهما غير متكثر، وأما أنها لازمة من اللانهاية، فلاستحالة وجود لامتناهيات عدة، من حيث إن اللامتناهي مستوعب كل شيء، وإذا تعددت الآلهة، فلا واحد منهم غير متناه، أي لا واحد منهم إله، بل كل واحد عادم شيئا، وليس حاصلا على كل كمال الواجب للإله.
كان آباء الكنيسة الأولون يدللون على وحدانية الله بوحدة العالم ووحدة نظامه: ولكن هذا الدليل ضعيف، فإن تعدد العوالم يتفق مع وحدانية الخالق؛ إذ من الممكن أن يصنع واحد مصنوعات مختلفة، كما هو ظاهر في الجزئيات المحيطة بنا. ثم إننا لا نعلم كثرة العوالم حتى نحكم أن الكون أجمع واحد.
وإذا أبى العقل تعدد الآلهة، فقد لا يأبى الثنائية، ذلك المذهب القائل بمبدأين يدبران العالم، أو يدبره أحدهما ويفسده الآخر. يرجع هذا المذهب إلى أوائل عهد الفلسفة. قال أنكساغوراس: إن المادة كانت مختلطة مضطربة، فنظمها العقل، أي الإله العاقل . وقال أفلاطون مثل ذلك. والمانويون ثنائيون، لكن الفرق عندهم بين المبدأين ليس الفرق بين العقل وعدم العقل، وإنما هو الفرق بين الخير والشر، وكلهم يأبون التسليم بحدوث الناقص عن الكامل، ويفضلون اشتراك مبدأين، لكل منهما معلولات من جنسه.
ونحن نقول: ليس يمكن أن يحدث الكامل كاملا؛ لأن الموجود المحدث ناقص بالضرورة، من جهة ماهيته التي تعينه وتحده، ومن جهة وجوده وفعله من حيث إنه محدث. فمجرد كونه محدثا يحط به عن الكمال. هذه حجة عامة موجهة إليهم جميعا. فإذا التفتنا إلى الفلاسفة اليونان قلنا: ليس يمكن أن توجد المادة بذاتها أزلا أبدا؛ إذ ليس فيها ما يسوغ مثل هذا الوجود. وليس يمكن أن تكون المادة لامتناهية، وهي متناهية بالذات لها شكل وأبعاد، سواء في مجموعها وفي أجزائها، وليس يمكن أن يوجد كائن شرير بالطبع وإلى أقصى حد؛ إن الشر عدم الخير، والشر اللامتناهي عدم لامتناه، أي: لا وجود مطلق وليس يمكن أن يوجد لامتناهيان متعارضان متحاربان. وأخيرا إن تصور الله منظما فقط للمادة هو إتباعه لها وجعله نسبيا إليها، أي: نزول به عن مرتبة الألوهية، وهذه أدلة عديدة قوية ضد الثنائية، ومن ثمة لصالح الوحدانية.
الفصل الرابع
صفات الفعل الإلهي
(1) تقسيم الفعل الإلهي
طبيعة الإنسان تميل به إلى تصور الأشياء على مثاله، فتخيل إليه فعل الله على شاكلة فعلنا، صادرا عن قوة زائدة على الذات، موزعا إلى أفعال متمايزة؛ ذلك أن الجسم ليس مجرد آلة منفعلة طيعة، وإنما له خصائصه ومقتضياتها، فله قوة بجانب قوة النفس، يسوقها بها إلى تغليب الحس والخيال على العقل، سواء في المعرفة وفي العمل. فيجب الاحتراز في الأفعال والمعارف كيلا ننقل إلى أحد المضمارين، المحسوس والمعقول، إلى المضمار الآخر، وبخاصة في العلم الألوهي، حيث الموضوع عال كل العلو، دقيق غاية الدقة. وسنحاول السير خطوة خطوة، من بديهية إلى بديهية، حتى نصل إلى الحق الميسور لنا في هذه المسائل الجليلة الخطيرة.
Page inconnue