La nature et au-delà de la nature : la matière, la vie, Dieu
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
Genres
برهان خامس:
متخذ من النفس الإنسانية، وما نشعر به من اشتهاء السعادة اشتهاء ضروريا، وتجربتها أن الخيرات الجزئية لا توفر لها إلا سعادات جزئية زائلة قد يكون جلها زائفا خادعا، وعلمها بأن السعادة لا تتحقق إلا بالخير بالذات البريء من كل شائبة؛ وأن من المستحيل ذهاب النزوع الطبيعي عبثا، إذ إنه يكون حينئذ بلا غاية ولا علة، وما كان هكذا فهو متناقض معدوم، فإن للنزوع الطبيعي نسبة إلى غاية وميلا إليها؛ فتحكم النفس بوجود موجود هو الخير بالذات الذي يرضي ذلك الميل تمام الرضى. وما لمبدأ الغائية من قيمة مطلقة يعطي هذا البرهان قيمة مطلقة. وإذا اعتبر كل إنسان هذا الميل الأساسي والتزم به، اتجه إلى الفضيلة وانحلت المشكلة الخلقية، إن توقان النفس إلى الخير والكمال - ولو مرة واحدة - لهو الدليل الأقوى على وجود الله.
هوامش
الفصل الثالث
صفات الذات الإلهية
(1) الصفات الإلهية بالإجمال
البراهين المتقدمة أظهرتنا على وجود علة أولى لجميع الكائنات، بل أيضا على طرف من ماهية العلة الأولى: فالله هو المحرك الثابت، والمنظم العليم، والموجود الواجب، وصفات أخرى لازمة عن هذه، يجب الفحص عنها، تحقيقا لمعنى العلم القاضي باستيفاء موضوعه، وإرضاء للميل الطبيعي الدافع إلى تشوف معرفة العلة حالما نعرف معلولا ما، وإلا بقي العقل حائرا قلقا. كل علة فهي تفعل طبقا لماهيتها، وكل معلول فهو يحمل في كيانه فعل العلة، وينم عليها بمحمولات غائبة عن المشاهدة، فتجتمع لدينا في هذا العلم «صفات» سميت هكذا تفاديا من تصورها أعراضا زائدة على الذات مركبة معها، وليس الحال كذلك في حق الله، كما سنرى في شواهد كثيرة.
على أن العلم هاهنا مشوب بخفاء كثيف، لكونه استدلاليا مكتسبا بواسطة، وليس حدسيا واقعا على المعلول نفسه؛ وهذا شأن الإنسان بإزاء كل علة يستدل عليها بمعلول لها، ويقيس غائبها على الشاهد. يضاف إلى ذلك أن المعلوم نفسه مجاوز لفهمنا لعلو الألوهية على مراتب الموجودات، فليس من الحكمة في شيء الانقياد إلى اللائحات الفكرية الأولى والصور الخيالية. إن الإخلاص للحق يقضي علينا بأن نوطن النفس على هذا الخفاء، وأن نلطف من قلقنا وحيرتنا بالاستمساك بالقضايا الثابتة عند العقل، وبالنتائج اللازمة عنها لزوما منطقيا، فنذكر تنبيهين، إذا علمنا بهما اجتنبنا أخطاء عديدة:
التنبيه الأول:
أن معرفة الغائب تحصل بالحكم لا بالتصور الساذج؛ لأن التصور يكتسب في الحقيقة بالمشاهدة، فإذا حكمنا بأن الله عليم مريد، كان هذا الحكم صادقا لابتنائه على شواهد قاطعة، ولكن لا ينبغي أن نحاول تصور العلم الإلهي أو الإرادة الإلهية في ذاتهما، أي النحو الذي توجد عليه الصفة في الله، فإن مثل هذا التصور ممتنع علينا لغيبة الماهية الإلهية عن عقلنا، وللفرق اللامتناهي بين عقلنا وبينها. ولا ينبغي أن نتهم علمنا من أجل قصور تصورنا، كما يفعل اللاأدريون الذين يدعون أننا لا نعرف عن الله شيئا.
Page inconnue