La nature et au-delà de la nature : la matière, la vie, Dieu
الطبيعة وما بعد الطبيعة: المادة . الحياة . الله
Genres
هذه آراء بعض المتقدمين. وهناك رأي أقرب منها عهدا يشبه رأي ابن سينا من جهة كونه يفترض تكوين العلويات للأبدان النامية، وإنزال نفس نامية في كل بدن، فتبدو فيه ظواهر النمو، وتبدو ظواهر الحساسية، بتأثير تلك النفس النامية وبتأثير نفس خامسة تجيء بعدها. ثم تبدو ظواهر النفس الناطقة بتأثير نفس ناطقة تجيء بعد الاثنتين وقد أدتا رسالتهما. بيد أن الانتقال من النامية إلى الحاسة لا يجد له تعليلا مقبولا ما دامت النامية أدنى من الحاسة، وعاجزة عن إعداد النامي للإحساس. كذلك الانتقال من الحياة الحاسة إلى الناطقة لا يجد له تعليلا كافيا لعين السبب.
المعقول أن الخليتين الأوليين (الذكر والأنثى) حين تلتقيان يحدث كل منهما تفاعلا يفضي إلى تكوين «الخلية» الأم وإلى خلق الله للنفس الناطقة في تلك اللحظة، ما دامت هي روحانية عالية على قوة المادة، وما دام الخلق غير مقدور للمخلوق، ولكنه ميزة الخالق وحده، الواجب الوجود لذاته، القدير على أن يمنح منه ما يشاء أو ما يقتضيه النظام الكوني الموضوع منه، فتتحد الناطقة بالخلية الأم، فتتعاقب أفعال الحيوات الثلاث المطوية في قواها كلما تهيأت لذلك الأعضاء، أي: تكوين الجنين. ومن المهم للغاية أن نفهم أن هذا التدبير من جانب النفس الناطقة يصدر بصفتها علة صورية، لا علة فاعلية تفكر وتقدر وتنفذ حسب التقدير والتفكير، كما فهم بعض الفلاسفة الذين وجدوا في هذا النوع من العلية اعتراضا قويا على ضرورة وجود النفس، في حين أن العلية الصورية لا تقتضي أكثر من العمل الآلي طبقا لرسم غائي مطوي في الصورة الجوهرية فائق على مقدرة المادة على التركيب والفعل، كما يبدو بكل وضوح في الأفعال الفسيولوجية، كضرب القلب والتنفس والهضم واندمال الجروح وما إلى ذلك. هكذا توجد النفس الناطقة في البدن، وهكذا تفعل. (7) النفس الإنسانية: خلودها
إذا كانت النفس الإنسانية مستقلة بوجودها وبفعليها الخصوصيين اللذين هما التعقل والإرادة، فمن البديهي أنها لا تفنى بفناء الجسد، ولكنها تبقى متعلقة مريدة مدركة ذاتها بذاتها؛ لأنها في هذه الحال بريئة عن المادة، ومن ثمة معقولة بالفعل، بعكسها في حال اتحادها بالجسد حيث هي غير مدركة ذاتها بذاتها. وتلك هي مسألة الخلود العظيمة الأهمية للأخلاق وللدين. وعلى أهميتها هذه فالفلاسفة كثيرون الذين ينكرون إنكارا باتا بقاء النفس بعد الموت. أولئك هم أشياع وحدة الوجود، من قدماء الهنود إلى أيامنا، القائلون بعودة النفس إلى «الكل المطلق» وفقدانها الشعور بذاتها فيه، وأيضا الماديون المنكرون للروح إطلاقا، أو الحسيون أو الواقعيون أو التجريبيون إن سميناهم من جهة المعرفة، المنكرون لما يعلو على التجربة أو إدراك الحس أو إدراك الواقع؛ أو الظاهريون، إن سميناهم من جهة المعرفة كذلك، المنكرون للجوهر مادة أو روحا. الخلود الحق المقصود هاهنا هو البقاء الجوهري الشخصي للنفس، سواء مع تناسخ، تبعا لرأي البراهمة والفيثاغوريين، أو دون تناسخ.
نعود إلى الدليل المشار إليه في أول هذا العدد، وهو دليل ميتافيزيقي، ونضيف إليه دليلا نفسانيا مأخوذا من ميل فينا طبيعي أساسي للبقاء دائما؛ ودليلا خلقيا مستفادا من ضرورة الجزاء التام على أفعالنا الحرة، فنقول: أولا؛ إن النفس بسيطة غير مركبة من أجزاء يمكن أن ينفصل بعضها من بعض، والنفس الإنسانية روحانية، فينطبق عليها هذا السبب من باب أولى، فإن النفس الحيوانية، بل النفس النباتية بسيطة، ولكنها غير باقية على حيالها، كما قد بينا، فليست تكفي البساطة لصيانة الوجود المستقل، على ما اعتقد ديكارت، بل تكفي الروحانية البادية في فعلي التعقل والإرادة، ما دام للنفس أفعال خاصة بها تقوم بها بدون وساطة عضو ما.
ونقول: ثانيا؛ إن في الإنسان ميلا طبيعيا أساسيا للبقاء إلى غير انتهاء، والميل الطبيعي الأساسي يرجع إلى طبيعة الكائن، وإذن فطبيعة الإنسان أن يظل حيا دائما. إن كل حاصل على العقل يشتهي بالطبع أن يوجد دائما، ويحس أن هذا الاشتهاء لا يمكن أن يكون عبثا. هذا الميل نعرفه في أنفسنا وفي سائر الناس في جميع العصور: علاماته الرغبة في تأييد أفراحنا وأعمالنا واسمنا، والنفور من الموت، ذلك النفور الذي هو صورة أخرى للميل للبقاء، والدال عليه تكريم الموتى عند الشعوب قاطبة، والعناية بدفنهم، وتزويدهم بالمأكل والمشرب. ولا نقولن: إن فكرة الخلود آتية من عدم كفاية خيرات العالم لإشباع شهوتنا، فإن النفس - لكونها تحس أنها خالدة - لا ترضى بخيرات العالم، وتطمح إلى خيرات لا تزول. ثم يمكن دعم هذا الدليل، أو إعطاؤه قيمة ميتافيزيقية، باعتبار أن الكائن العاقل الذي يدرك الوجود مطلقا، لا معينا محدودا زمانا ومكانا كإدراك الحس، ينزع بطبعه إلى الوجود الدائم، ولا يجوز أن يذهب النزوع الطبيعي سدى. بل إن هذا النزوع الطبيعي يظهر أيضا في غير فكرة مطلق الوجود، أعني في فكرات الواحد والحق والخير والتجميل، أو لواحق الوجود، تلك الفكرات التي تبدو لنا كلية ضرورية، أزلية أبدية كالوجود نفسه.
ونقول ثالثا: لكي يكون الواجب الخلقي مفهوما وفعالا، يجب أن يكون الإنسان خالدا حقا، وإلا لم يوجد في الحياة الأرضية جزاء كاف على الأفعال الخلقية، لا من جهة الطبيعة، فإنها غير خلقية، غير مميزة بين الأفعال، غير مقدرة للجزاءات؛ ولا من جهة المجتمع، فهو لا يتناول سوى الأفعال الظاهرة، وهو مبني على الخداع؛ ولا من جهة الضمير، فإنه لا يحكم على نفسه، بل يحاول جهده التنصل من التبعة والتملص من العاقبة. ومن هذه الأوجه الثلاثة ما أكثر ما يشقى الصالح وينعم الطالح! فلا بد من حياة أخرى تتحقق فيها العدالة التامة ويسود النظام، وتكون هي رادعا قويا.
هل يجوز القول: إن الله قد يعدم الأنفس بعد أن يمنحها هذه العدالة الكفاية من الثواب والعقاب؟ الحقيقة أننا نطمح إلى السعادة الكاملة كما رأينا، وأن لا نهاية مدتها عنصر جوهري فيها، وأن تناهي المدة منغص للسعادة، وأن الله هو الذي أودع النفس ذلك الميل إلى السعادة الكاملة، فكيف يحدها ويلاشيها؟ لئن كانت القدرة الإلهية غير المتناهية مستطيعة من هذا الوجه إعدام أي مخلوق، إلا أن القدرة المضبوطة بالحكمة والطيبة لا تسلب الموجودات ما فطرتها عليه، والله هو الذي خلق النفس الإنسانية روحية غير فاسدة.
ماذا يصير بنفس الإنسان في الخلود؟ يجب الاعتراف أولا بأن المفارقة حال قسرية؛ لأن طبيعة الإنسان أنه نفس وجسد معا؛ فالمعقول أن يعد الموت حادثا قسريا، ويعد البعث ضروريا لإعادة الإنسان إلى طبيعته. فإن قيل: إن من المحال «جمع جميع أجزاء الإنسان التي كانت موجودة في جميع عمره» قلنا: إن استئناف خلق هذه الأجزاء «إيجاد لمثل ما كان لا لعين ما كان
7
لا سيما ونحن نعلم أن مادة الجسد تتجدد مرات خلال العمر، ويظل الشخص هو هو بنفسه. بيد أن هذا النزوع، وإن اعتبرناه طبيعيا، لا يصلح دليلا على البعث، لاستحالة البعث على قوة الطبيعة، أي لاستحالة عودة الجسد عودة طبيعية إلى التركيب والتنسيق؛ والبعث معلوم لنا بالوحي، ومنوط بإرادة الله وقدرته. وكل ما يصلح له هذا النزوع هو التدليل على أن البعث لا ينافي طبيعة النفس، بل على العكس يلائمها.
Page inconnue