وقولهم: بِضع عشر سنة. البضع أكثر ما يستعمل فيما بين الثلاث إلى العشر. وقيل: بل هو ما دون نصف العقد. وقد انزوى القول الأول إلى النبي ﷺ، في تفسير قوله تعالى: (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهمْ سَيَغْلِبُونَ* في بِضْعِ سِنِينَ)، وذلك أن المسلمين كانوا يحبون أن تظهر الروم على فارس، لأنهم أهل كتاب، وكان المشركون يميلون إلى أهل فارس؛ لأنهم أهل أوثان، فلما بشر الله تعالى المسلمين بأن الروم سيغلبون في بضع سنين، سُر المسلمون بذلك، ثم إن أبا بكر رضي الله تعالى عنه بادر إلى مشركي قريش، فأخبرهم بما له مُدة الثلاث سنين، ثم أتى النبي ﷺ، فسأله كم البضع، فقال، ما بين الثلاث إلى العشر. فأخبره بما خاطر به أبي بن خلف. فقال: " ما حملك على تقريب المدة؟ "، فقال: الثقة بالله ورسوله ﷺ. فقال النبي ﷺ: " عُدْ إليهِمْ فَزِدْهُمْ في الخَطْرِ وَازْدَدْ في الأجَلِ ". فزادهم قلوصين، وازداد منهم في الأجل سنتين، فأظفر الله تعالى الروم بفارس قبل انقضاء الأجل الثاني، تصديقًا لتقدير أبي بكر ﵁.
وكان أُبَيٌّ قد مات من جرح رسول الله ﷺ، فأخذ أبو بكر الخطر من ورثة أُبي، فقال النبي ﷺ: " تَصدَّق بِهِ " وكانت المُخاطرة بينهما قبل تحريم القِمار.
وقيل: الذي خاطر أبا بكر ﵁ إنما هو أبو سفيان، والأول أصح.
كذا في " الوافي بالوفيات " للصلاح الصفدي، رحمه الله تعالى.
باب
في بيان العلم، والكُنية، واللقب، وكيفية ترتيب
ذلك مع النسبة على اختلافها المتنوع
اعلم أن الدال على مُعين مطلقا إما أن ييكون مُصدرًا باب أو أم كأبي بكر، وأم كلثوم، وأم سلمة، وإما أن يشعر برفعة المسمى، كمُلاعب الأسنة، وعروة الصعاليك، وزيد الخيل، والرشيد، والمأمون، والواثق، والمكتفي، والظاهر، والنصر، وسيف الدولة، وعضد الدولة، وجمال الدين، وعز الدين، وإمام الحرمين، وصدر الشريعة، وتاج الشريعة، وفخر الإسلام، وملك النحاة، وإما أن يشعر بضعة المسمى كجُحى، وشيطان الطاق، وأبي العبر، وجحظة، وقد لا يشعر بواحد منهما، بل أجرى عليه ذلك بواقعة جرت، مثل: غسيل الملائكة، وحمى الدَّبر، ومُطين، وصالح جزرة، والمُبرد، وثابت قُطنة، وذي الرمة، والصعق، وصردر، وحيص بيص.
فهذه الأقسام الثلاثة تسمى الألقاب.
وإلا فهو الاسم الخاص، كزيد وعمرو، وهذا هو العلم، وقد يكون مفردًا كما تقدم، وقد يكون مركبًا، إما من فعل وفاعل كتأبط شرًا، وبرق نحره، وإما من مُضاف ومضاف إليه كعبد الله، أو من اسمين قد رُكبا وجُعلا بمنزلة اسم واحد كسيبويه، والمفرد قد يكون مُرتجلًا، وهو الذي ما استعمل في غير العلمية، كمذحج وأدد، وقد يكون منقولًا، إما من مصدرٍ؛ كسعد، وفضل، أو من اسم فاعل؛ كعامر، وصالح، أو من اسم مفعول؛ كمحمد، ومسعود، أو من أفعل تفضيل؛ كأحمد، وأسعد، أو من صفة؛ كثقيف وهو الدرب بالأمور الظافر بالمطلوب، وسلول، وهو الكثير السل، وقد يكون منقولًا من اسم عين؛ كأسد، وصقر، وقد يكون منقولًا من فعل ماض؛ كأبان وشمَّر، أو من فعل مضارع؛ كيزيد، ويشكر.
وإذ قد عرفت العلم، والكنية، واللقب، فسردها يكون على الترتيب: تُقدم اللقب على الكنية، والكنية على العلم، ثم النسبة إلى البلد، ثم الأصل، ثم إلى المذهب في الفروع، ثم إلى المذهب في الاعتقاد، ثم إلى العلم، أو الصناعة، أو الخلافة، أو السلطنة، أو الوزارة، أو القضاء، أو الإمرة، أو المشيخة، أو الحج، أو الحرفة، كلها مقدم على الجميع.
فتقول في الخلافة: أمير المؤمنين الناصر لدين الله أبو العباس أحمد السامري، إن كان بسر من رأى، البغدادي، فرقًا بينه وبين الناصر الأموي صاحب الأندلس، الحنفي الأشعري، إن كان يتمذهب في الفروع بفقه أبي حنيفة، ويميل في الاعتقاد إلى أبي الحسن الأشعري، ثم تقول: القُرشي، الهاشمي، العباسي.
وتقول في السلطنة: السلطان الملك الظاهر ركن الدين أبو الفتح بيبرس الصالحي - نسبة إلى أستاذه الملك الصالح - التُركي الحنفي البندقدار، أو السلاح دار.
وتقول في الوزراء: الوزير فلان الدين أبو كذا، وتسرد الجميع كما تقدم، ثم تقول: وزير فلان.
1 / 7