والعلمُ عندَ الله لا يُرْتجىَ ... به نوالٌ لا ولا يُرْزَقُ
ولا ترى عنه امْرَءًا سائلًا ... ولا به يُعْطَى ولا يُنْفِقُ
وهذا ولم يبق من يستحق أن يوصف بالمولوية بالديار الرومية، على الوجه الأكمل، والوصف الأجمل، إلا جماعة يسيرة، ذُكر آباؤهم في هذه الطبقات، ووفينا كلًا منهم حقه، أدام الله تعالى بهم جمال هذه الدولة العُثمانية بمنه وكرمه.
وأما ما يُنسب إلى أبي حنيفة من الشعر فكثير، منه قوله:
إن يحسُدُوني فإنِّي غيْرُ لاَئمهمْ.............
البيتين السابقين.
ومنه قوله وقد اتفق له مع شيطان الطاق في الحمام لما رآه الإمام مكشوف العورة، ونهاه عن ذلك، ما هو مشهور، وهو:
أقول وفي قولي بلاغٌ وحِكمةٌ ... وما قلتُ قَوْلًا جئتُ فيه بمُنكَرِ
ألا يا عباد الله خَافُوا إلهَكمْ ... فلا تدخلوا الحمَّامَ إلاَّ بمِئزرِ
وأما ما كان يتمثل به أبو حنيفة من الشعر، وما مدح به رضي الله تعالى عنه من النظم، فكثير لا يدخل تحت الحصر، ومنه قول بعضهم:
لأبي حنيفةَ ذي الفَخارِ قراءة ... مشهورةٌ مَنْخُولةٌ غَرَّاءُ
عُرضِتْ على القُرَّاءِ في أيامِهِ فتعجَّبَتْ من حُسْنِها القُراءُ
لله در أبي حنيفة إنهُ ... خضَعَتْ له القُرَّاء والفقهاءُ
خلَف الصَّحابة كلَّهم في علمهمْ ... فتضاءلَت لِجَلالِهِ العُلماءُ
سُلطانُ مَن في الأرضِ من فقهائها وهمُ إذا أفتَوا له أصدَاءُ إن المِياهَ كثيرةٌ لكنَّهُ فَضَلَ الميَاهَ جَمِيعَهَا صَدَّاءُ قال ابن الشحنة: وكأن " أصداء " هذا جمع صدى بالقصر، وهو الذي يجيبك مثل صوتك في الجبال وغيرها، إشارة إلى أن الأصل منه نشأ وعنه أخذ؛ لأنه كان كافل الفقهاء ومُربيهم، لأنهم عياله، كما نص عليه الشافعي. انتهى.
وفي هذه الأبيات تصريح بأن الإمام، رضي الله تعالى عنه، كان من المتقدمين في فن القراءات، كما هو من المتقدمين السابقين في علم الفقه، وهو كذلك، فقد أفردوا بالتآليف قراءته التي انفرد بها، ورووها عنه بالأسانيد.
وممن افردها بالتآليف أبو القاسم الزمخشري، وأبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهُذلي البسكري، بموحدة وسين مهملة، في كتابه المعروف ب " الكامل "، وغيرهما.
وممن روى عنه القراءة أبو يوسف، ومحمد، رحمهما الله، وغيرهما.
وحروفه معروفة مذكورة في " المناقب "، وغيرها.
وقد وضع بعض الحساد قراءات، ونسبها إليه، فأظهر الله الحق، ومحق الباطل، وجوزي كلٌّ بفعله.
وقال صاحب المناقب يمدحه:
رَسُولُ الله قال سِراجُ ديني ... وأمَّتِي الهُداة أبو حنيفَة
غدا بعد الصَّحابةِ في الفتاوى ... لأحْمَدَ في شريعته خليفَهْ
وقال غيره، يصفه بالعلم والعبادة، من أبيات:
نهارُ أبي حنيفة للإفادة ... وليل أبي حنيفة للعبادَهْ
وَوَدَّعَ نوْمَهُ خمسين عَامًا ... لِطَاعَتِه وَخَدَّاهُ الوِسَادَهْ
وكان يحيى بن معين إذا ذكر من يتكلم في أبي حنيفة، يقول:
حَسَدُوا الفتى إذ لم ينالُوا سَعْيَهُ ... فالقومُ أعْداءٌ لهُ وخُصومُ
كضَرائرِ الحَسْناء قُلْنَ لوَجْهِها ... حَسَدًا وَبَغْيًا إنَّه لذَميمُ
وقيل لعبد الله بن طاهر: الناس يقعون في أبي حنيفة، فقال:
ما يَضُرُّ البَحْرَ أمْسَى زاخرًا ... أن رَمَى فيه غلامٌ بِحَجَرْ
ثم أنشد:
إن يحسدوني فزاد الله في حَسَدي ... لا عاش من عاش يَومًا غَيرَ مَحْسُودِ
ما يُحْسَدُ المرء إلا مِنْ فضائِلِه ... بالعلم والبأس أو بالمجْدِ والجُودِ
وقال:
فازدادَ لي حَسدًا مَن لستُ أحْسُدُه ... إنَّ الفضيلةَ لا تخلو عن الحَسَدِ
وقال:
ما ضَرني حَسَدُ اللِّئامِ ولم يَزلْ ... ذو الفضلِ يحسُدُهُ ذَوو النُّقْصانِ
يا بُوسَ قومٍ ليس ذَنبي بَيْنَهُمْ ... إلا تظاهُرَ نعمَةِ الرّحمنِ
والله درُّ الشريف الرضي، حيث يقول:
1 / 44