القول، ما فائدة القول إذا لم يترجم عملا؟ الجائع لا يشبعه القول، ولا البائع ولا المحروم ولا المضطهد. إن مملكتي صغيرة جميلة، وشعبها طيع نبيل، لقد كنت معبوده فيما مضى، لقد أسمعني الهتاف الذي لا يزال يسكر مسمعي، ولكنه كان هتافا غير مأجور. لماذا يرسل اللعنات نحوي اليوم، لعنات لو أنها تشعل النار لأمسى قصر «غمدان» رمادا؟
لقد أخطأت، لقد حقرت شعبي فحقرني. لن أكون ساذجا. إني أعلم أن أكثر الثائرين علي هم من محترفي المشاغبة، يبغضونني مخطئا، ويبغضونني مصلحا، ويبغضونني ملاكا أو إلها. إن صاحب الجلالة له أبدا أعداء؛ لأنه صاحب الجلالة. أنا إنسان وغيري كذلك إنسان، والإنسان يحسد الإنسان.
غير أني لن أقنع نفسي أن هذه النقمة الحادة الجارفة هي ليست من صنيعي.
هؤلاء المتزعمون المستثمرون ما شأنهم في هذه الدولة؟ إنهم لا شيء، الشعب يمقتهم، قوتهم تهويل مستمد من القوة التي سلمتها إياهم الدولة.
أنا إنسان، إذن فأنا تلميذ التجربة. شريت الولاء فانكشف بضاعة مزيفة. جربت البطش ودفنت الحراب؛ فنبت في طريقي ألوف من حراب جديدة. رقعت هذا الثوب فبدا خرقا مضحكة، لا تزين ولا تدفئ.
إن القوى المسلحة هي رهن أمري، ولكنها كانت كذلك رهن أمر القوتلي وفاروق. البوليس إنسان، الدركي إنسان، الجندي إنسان؛ إذن فهو كذلك قد ينقم ويرتد ويثور.
أنا إنسان، ماذا ينقصني في هذه الدنيا؟ أنا صاحب الجلالة في ذروة هذا البلد، المال موفور لي ولمن أحب، ولمن أتوهم أني أحب، كل ما أحتاجه هو الإرادة للإصلاح والعزم على الإصلاح. الإرادة تخلق الكلمة، والكلمة تطاع؛ لأن وسائل التنفيذ لا تزال في يدي، علي أن أنفذ.
فإن عجزت عن التنفيذ؛ فأول واجب نحو نفسي هو أن لا أخدع نفسي؛ فأفسح لها مجال التقوى، إذ ذاك قد أعتزل الدنيا فأترهب. أنا إنسان فلماذا لا أكون واقعيا؛ فأبدأ بحزم حقائبي، وأودع غير مطرود، فأكون الرابع في لعبة بردج مع فاروق والقوتلي وزميلي الإيطالي الملك «أومبرتو». أنا إنسان، قد يشلني «الروتين»، قد لا أفعل شيئا، إن لم أبتعد عن نفسي.
لو أني صاحب الجلالة، لابتعدت عن نفسي فهززت الصولجان أو رميته.
الفرق ...!
Page inconnue