غير أني أود أن أشكرك شكرا حارا، لا يمليه أدب المراسلة فحسب على توجهك إلي بكتابك المذكور.
وإنني واثق أنك لا تبغي تصيد المديح ولا شراءه، فمن الواضح أن هذه القمة التي أحيا في ذروتها، ويحيا فيها رفقائي، حرم فيها القنص على مدار السنة؛ وما كانت فيها الكلمة، ولن تكون سلعة برسم البيع، بل إن الكلمة كانت فيها، وستبقى، إفصاحا عن فكر وعاطفة كثيرا ما يتزين بها نبيل فقير، ويعرى عن ارتدائها ثري أمير.
لذلك أبتهج بسؤالك عن الأثر، الذي تركته زيارة سمو الأمير سعود، موقنا أن غايتك التعرف الطاهر إلى المنافع، التي جناها العالم العربي لقاء ما بذل سموه وبذلناه من وقت ومن مال.
وأخالك على معرفة تامة أن الفريق الذي يشرفني أن أكون في معسكره، يؤمن بالعروبة الصحيحة، ويهمه أن تأتي زيارة أمير عربي توظيفا نافعا لجهد ومال، لا هدرا لهما ولا دعسة مغلوطة على محرك سيارة العروبة، يقذف بها إلى الوراء بدلا من دفعها إلى الأمام.
كذلك لا أجد تصادما بين نشاطك في المفوضية كمندوب لمقاطعة إسرائيل، وبين اهتمامك بنشر كتاب عن الانطباعات الخاصة، التي تركتها زيارة سمو الأمير؛ فنحن الذين نؤمن بمدرحية الحياة، نفهم مظاهرها التي تبدو للجاهل أو الساذج، متضاربة.
ننطلق يا سيدي، من قاعدة رئيسية واحدة، هي أننا نحن هنا، وأنتم في المملكة العربية السعودية، نعيش في لذاذات الأعزل المترف، وفي ظلال حراب جائع مسلح، اغتصب بعض دارنا، ويتحفز لاغتصاب دارنا وداركم، وهو في رأي الكثيرين قادر على الظفر ساعة يريد.
إذن فسؤالك يجب أن يصاغ في كلمات ثانية، قد تصبح قراءتها هكذا : «ما الذي فعلته هذه الزيارة في سبيل إقصاء ظلال حراب العدو، الذي يهددكم ويهددنا؟»، والجواب يتناثر في أجوبة كثيرة؛ فإنه من الجميل أن يكون سمو الأمير قد تعرف إلينا وإلى بلادنا، ونحن قد تعرفنا إليه، وأنه من المسر أن يكون سموه قد تحدث إلى جلالة أبيه في الليلة الثانية من إقامته بيننا؛ فسمعناه على الراديو الخاص يهتز صوته قائلا: «إن لبنان زحف لملاقاتنا حريما ورجاجيل.»
كانت في صوته غنة بدوية تستحب، وحمية عاطفة، سرنا أن أوحيناها، ومن المعروف يا سيدي، أن سموه وهب الكثير من الأموال، بعضها كانت دعسات مغلوطة، وبعضها كان خطوات في السبيل السوي.
ولو أن سفارتكم تنشر ما ظهر في ذلك الكتاب، حيث وقع عليه القابضون إيصالاتهم، فعرفنا كل الأسماء، لاتقينا خطر حكم يبنى على معلومات ناقصة، لا يعززها إلا الحدس والتخمين، ولكن مبدأ الهبة هو مبدأ مغلوط، وقد ينتهي العالم النفسي، الذي يتحرى الحوافز إلى تصنيف الكريم والشحيح في مقعد واحد هو الأثرة؛ فتنقبض كف البخيل مدافعة عن أنانية، وتبسط كف الكريم ناشرة أنانيته؛ لذلك نراهم نظموا الإحسان في الغرب، ومن أجل هذا علقت الكاتبة الأميركية «دروثي طمسن» بشيء من الهزء على ما رأته في «جدة» من كرم بقولها:
والعطاء عند هؤلاء الناس يعد فضيلة.
Page inconnue