( فقد الجيوش وسر أمام لوائه
قدما بأبيض صارم وسنان ) قالت يا أمير المؤمنين مات الرأس وبتر الذنب فدع عنك تذكار ما قد نسى قال هيهات ليس مثل مقام أخيك ينسى قالت صدقت والله يا أمير المؤمنين ما كان أخى خفى المقام ذليل المكان ولكن كما قالت الخنساء وإن صخرا لتأتم الهداة به كأنه علم فى رأسه نار وبالله أسأل يا أمير المؤمنين إعفائى مما استعفيته قال قد فعلت فقولى حاجتك قالت يا أمير المؤمنين إنك للناس سيد ولامورهم متقلد والله سائلك عما افترض عليك من حقنا ولا تزال تقدم علينا من ينهض بعزك ويبسط سلطانك فيحصدنا حصاد السنبل ويدوسنا دياس البقر ويسومنا الخسيسة ويسألنا الجليلة هذا ابن أرطاة قدم بلادى وقتل رجالى وأخذ مالى ولولا الطاعة لكان فينا عز ومنعة فإما عزلته فشكرناك وإما لافعرفناك فقال معاوية إياى تهددين بقومك والله هممت أن أدراك على قتب أشرس فينفذ حكمه فيك فسكتت ثم قالت صلى الإله على روح تضمنه قبر فأصبح فيه العدل مدفونا قد حالف الحق لا يبغى به ثمنا فصار بالحق والإيمان مقرونا قال ومن ذلك قالت على بن أبي طالب رحمه الله تعالى قال ما أرى عليك منه أثرا قالت بلى اتيته يوما فى رجل ولاه صدقاتنا فكان بيننا وبينه ما بين الغث والثمين فوجدته قائما يصلى فانفتل من الصلاة ثم قال برأفة وتعطف ألك حاجة فأخبرته خبر الرجل فبكى ثم رفع رأسه إلى السماء فقال اللهم إنى لم آمره بظلم خلقك ولا ترك حقك ثم أخرج من جيبه قطعة من جراب فكتب فيه بسم الله الرحمن الرحيم قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا فى الأرض مفسدين بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ إذا أتاك كتابى هذا فاحتفظ بما فى يديك حتى يأتى من يقبضه منك والسلام فعزله يا أمير المؤمنين ما حزمه بحزام ولا ختمه بختام فقال معاوية اكتبوا لها بالإنصاف لها والعدل عليها فقالت ألى خاصة أم لقومى عامة قال ما أنت وغيرك قالت هى والله الفحشاء واللؤم إن لم يكن عدلا شاملا وإلا يسعنى ما يسع قومى قال هيهات لمظكم ابن أبى طالب الجرأة على السلطان فبطيئا ما تفطمون وغركم قوله فلو كنت بوابا على باب جنة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام وقوله ناديت همدان والأبواب مغلقة ومثل همدان سنى فتحة الباب كالهندوانى لم تقلل مضاربه وجه جميل وقلب غير وجاب اكتبوا لها بحاجتها وفود بكارة الهلالية على معاوية محمد بن عبد الله الخزاعي عن الشعبى قال استأذنت بكارة الهلالية على معاوية بن أبى سفيان فأذن لها وهو يومئذ بالمدينة فدخلت عليه وكانت امرأة قد أسنت وعشى بصرها وضعفت قوتها ترعش بين خادمين لها فسلمت وجلست فرد عليها معاوية السلام وقال كيف أنت يا خالة قالت بير يا أمير المؤمنين قال غيرك الدهر قالت كذلك هو ذو غير من عاش كبر ومن مات قبر قال عمرو بن العاص هى والله القائلة يا أمير المؤمنين يا زيد دونك فاستشر من دارنا سيفا حساما فى التراب دفينا قد كنت أذخره ليوم كريمة فاليوم ابرزه الزمان مصونا قال مروان هى والله القائلة يا أمير المؤمنين أترى ابن هند للخلافة مالكا هيهات ذاك وإن أراد بعيد منتك نفسك فى الخلاء ضلالة أغراك عمرو للشقا وسعيد قال سعيد بن العاصى هى والله القائلة قد كنت أطمع أن أموت ولا أرى فوق المنابر من أمية خاطبا فالله أخر مدتى فتطاولت حتى رأيت من الزمان عجائبا فى كل يوم للزمان خطيبهم بين الجميع لآل أحمد عائبا ثم سكتوا فقالت يا معاوية كلامك أعشى بصرى وقصر حجتى أنا والله قائلة ما قالوا وما خفى عليك منى أكثر قضحك وقال ليس يمنعنا ذلك من برك فضحك وقال ليس يمنعنا ذلك من برك قالت اما الآن فلا وفود الزرقاء على معاوية عبيد الله بن عمر الغساني عن الشعبى قال حدثنى جماعة من بنى أمية ممن كان يسمر مع معاوية قالوا بينما معاوية ذات ليلة مع عمرو وسعيد وعتبة والوليد إذ ذكروا الزرقاء ابنة عدى بن غالب بن قيس الهمدانية وكانت شهدت مع قومها صفين فقال أيكم يحفظ كلامها قال بعضهم نحن نحفظه يا أمير المؤمنين قال فأشيروا على فى امرها فقال بعضهم نشير عليك بقتلها قال بئس الرأي أشرتم به على أيحسن بمثلى أن يتحدث عنه أنه قتل امرأة بعدها ظفر بها فكتب إلى عامله بالكوفة أن يوفدها إليه مع ثقة من ذوى محارمها وعدة من فرسان قومها وأن يمهد لها وطاء لينا ويسترها بستر خصيف ويوسع لها فى النفقة فأرسل إليها عامله فأقرأها الكتاب فقالت إن كان أمير المؤمنين قد جعل الخيار إلى فإنى لا آتيه وإن كان حتم والشاعة أولى فحملها وأحسن جهازها على ما أمر به فلما دخلت على معاوية قال مرحبا وأهلا قدمت خير مقدم قدمه وافد كيف حالك قالت بخير يا أمير المؤمنين ادام الله لك النعمة قال كيف كنت فى مسيرك قالت ربيبة بيت أو طفلا ممهدا قال بذلك أمرناهم اتدرين فيم بعثت إليك قالت أنى لى بعلم ما لم أعلم قال ألست الراكبة الجمل الأحمر والواقفة بين الصفين يوم صفين تحضين الناس على القتال وتوقدين الحرب فما حملك على ذلك قالت يا أمير المؤمنين مات الرأس وبتر الذنب ولم يعد ما ذهب والدهر ذو غير ومن تفكر أبصر والأمر يحدث بعده الأمر قال لها معاوية صدقت أتحفظين كلامك يومئذ قالت والله لا أحفظه ولقد أنسيته قال لكنى احفظه لله أبوك حين تقولين أيها الناس ارعووا وارجعوا إنكم قد اصبحتم فى فتنة غشتكم جلابيب الظلم وجارت بكم عن قصد المحجة فيالها فتنة عمياء صماء بكماء لا تسمع لنا عقيها ولا تنساق لقائدها إن المصباح لا يضىء فى الشمس ولا تنير الكواكب مع القمر ولا يقطع الحديد إلا الحديد ألا من استرشدناه أرشدناه ومن سألنا اخبرناه ايها الناس إن الحق كان يطلب ضالته فأصابها فصبرا يا معشر المهاجرين والأنصار على الغصص فكأن قد اندمل شعب الشتات والتأمت كلمة العدل ودمغ الحق باطله فلا يجهلن أحد فيقول كيف العدل وأنى ليقض الله أمرا كان مفعولا ألا وإن خضاب النساء الحناء وخضاب الرجال الدماء ولهذا اليوم ما بعده والصبر خير فى الأمور عواقبا إيها فى الحرب قدما غير ناكصين ولا متشاكسين ثم قال لها والله يا زرقاء لقد شركت عليا فى كل دم سفكه قالت احسن الله بشارتك وأدام سلامتك فمثلك بشر بخير وسر جليسه قال أو يسرك ذلك قالت نعم والله لقد سررت بالخبر فأنى لى بتصديق الفعل فضحك معاوية وقال والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب من حبكم له فى حياته اذكرى حاجتك قالت يا أمير المؤمنين آليت على نفسى ألا أسأل أميرا أعنت عليه أبدا ومثلك اعطى من غير مسألة وجاد من غير طلبه قال صدقت وأمر لها وللذين معها بجوائز وكسا وفود أم سنان بنت خيثمة سعيد بن حذافة قال حبس مروان بن الحكم وهو والى المدينة غلاما من بنى ليث فى جناية جناها فأتته جدة الغلام أم أبيه وهى أم سنان بنت خيثمة بن خرشة المذحجية فكلمته فى الغلام فأغلظ لها مروان فخرجت إلى معاوية فدخلت عليه فانتسبت فعرفها فقال لها مرحبا يا بنة خيثمة ما أقدمك أرضنا وقد عهدتك تشتميننا وتحضين علينا عدونا قالت إن لبنى عبد مناف أخلاقا طاهرة وأعلاما ظاهرة وأحلاما وافرة لا يجهلون بعد علم ولا يسفهون بعد حلم ولا ينتقمون بعد عفو وإن أولى الناس باتباع ما سن آباؤه لأنت قال صدقت نحن كذلك فكيف قولك عزب الرقاد فمقلتى لا ترقد والليل يصدر بالهموم ويورد يا آل مذحج لا مقام فشمروا إن العدو لآل أحمد أحمد يقصد هذا على كالهلال تحفه وسط السماء من الكواكب أسعد خير الخلائق وابن عم محمد إن يهدكم بالنور منه تهتدوا ما زال مذ شهد الحروب مظفرا والنصر فوق لوائه ما يفقد قالت كان ذلك يا أمير المؤمنين وأرجو أن تكون لنا خلفا بعده فقال رجل من جلسائه كيف يا أمير المؤمنين وهى القائلة إما هلكت أبا الحسين فلم تزل بالحق تعرف هاديا مهديا فاذهب عليك صلاة ربك ما دعت فوق الغصون حمامة قمريا قد كنت بعد محمد خلفا كما أوصى إليك بنا فكنت وفيا فاليوم لا خلف يؤمل بعده هيهات نأمل بعده إنسيا قالت يا أمير المؤمنين لسان نطق وقول صدق ولئن تحقق فيك ما ظننا فحظك الأوفر والله ما ورثك الشنآن فى قلوب المسلمين إلا هؤلاء فادحض مقالتهم وأبعد منزلتهم فإنك إن فعلت ذلك تزدد من الله قربا ومن المؤمنين حبا قال وإنك لتقولين ذلك قالت سبحان الله والله ما مثلك مدح باطل ولا أعتذر إليه بكذب وإنك لتعلم ذلك من رأينا وضمير قلوبنا كان والله على أحب إلينا منك وأنت أحب إلينا من غيرك قال ممن قالت من مروان بن الحكم وسعيد بن العاص قال ومن استحققت ذلك عندك قالت بسعة حلمك وكريم عفوك قال إنهما يطعمان فى ذلك قالت هما والله من الرأى على ما كنت عليه لعثمان بن عفان رحمه الله قال والله لقد قاربت فما حاجتك قالت يا أمير المؤمنين إن مروان تبنك فى المدينة تبنك من لا يريد منها البراح لا يحكم بعدل ولا يقضى بسنة يتتبع عثرات المسلمين ويكشف عورات المؤمنين حبس ابن ابنى فأتيته فقال كيت وكيت فألقمته أخشن من الحجر وألعقته أمر من الصاب ثم رجعت إلى نفسى بالائمة وقلت لم لا أصرف ذلك إلى من هو أولى بالعفو منه فأتيتك يا أمير المؤمنين لتكون فى أمرى ناظرا وعليه معديا قال صدقت لا أسألك عن ذنبه والقيام بحجته اكتبوا لها بإطلاقه قالت يا أمير المؤمنين وأنى لى بالرجعة وقد نفد زادى وكلت راحلتى فأمر لها براحلة وخمسة آلاف درهم وفود عكرشة بنت الأطرش على معاوية أبو بكر الهذلى عن عكرمة قال دخلت عكرشة بنت الأطرش بن رواحة على معاوية متوكئة على عكاز لها فسلمت عليه بالخلافة ثم جلست فقال لها معاوية الآن يا عكرشة صرت عندك أمير المؤمنين قالت نعم إذ لا على حى قال ألست المقلدة حمائل السيوف بصفين وأنت واقفة بين الصفين تقولين أيها الناس عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إن الجنة لا يرحل عنها من أوطنها ولا يهرم من سكنها ولا يموت من دخلها فابتاعوها بدارا لا يدوم نعيمها ولا تنصرم همومها وكونوا قوما مستبصرين فى دينهم مستظهرين بالصبر على طلب حقهم إن معاوية دلف إليكم بعجم العرب غلف القلوب لا يفقهون الإيمان ولا يدرون ما الحكمة دعاهم بالدنيا فأجابوه واستدعاهم إلى الباطل فلبوه فالله الله عباد الله فى دين الله إياكم والتواكل فإن ذلك ينقض عرى الإسلام ويطفىء نور الحق هذه بدر الصغرى والعقبة الاخرى يا معشر المهاجرين والأنصار امضوا على بصيرتكم واصبروا على عزيمتكم فكأنى بكم غدا ولقد لقيتم أهل الشام كالحمر الناهقة تصقع صقع البقر وتورث روث العتاق فكأنى أراك على عصاك هذه وقد انكفأ عليك العسكران يقولون هذه عكرشة بنت الأظرش بن رواحة فإن كدت لتقتلين أهل الشام لولا قدر الله وكان أمر الله قدرا مقدورا فما حملك على ذلك قالت يا أمير المؤمنين قال الله تعالى يأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن اللبيب إذا كره أمرا لا يحب إعادته قال صدقت فاذكرى حاجتك قالت إنه كانت صدقاتنا تؤخذ من أغنيائنا فترد على فقرائنا وإنا قد فقدنا ذلك فما يجبر لما كسير ولا ينعش لنا فقير فإن كان ذلك عن رأيك فمثلك تنبه من الغفلة وراجع التوبة وإن كان عن غير رأيك فما مثلك استعان بالخونة ولا استعمل الظلمة قال معاوية يا هذه إنه ينوبنا من أمور رعيتنا أمور هى أولى بها منكم بحور تنبثق وثغور تنفتق قالت يا سبحان الله والله ما فرض الله لنا حقا فجعل فيه ضررا على غيرنا وهو علام الغيوب قال معاوية يا أهل العراق نبهكم على بن أبى طالب فلم تطاقوا ثم امر برد صدقاتهم فيهم وإنصافهم قصة دارمية الحجونية مع معاوية رحمه الله تعالى سهل بن أبى سهل عن أبيه قال حج معاوية فسأله عن امرأة من بنى كنانة كانت تنزل بالحجون يقال لها دارمية الحجونية وكانت سوداء كثيرة اللحم فأخبر بسلامتها فبعث إليها فجيء بها فقال ما حالك يابنة حام فقالت لست لحام إن عبنتى أنا امرأة من بنى كنانة قال صدقت أتدرين لم بعثت إليك قالت لا يعلم الغيب إلا الله قال بعثت إليك لأسألك علام أحببت عليا وأبغضتنى وواليته وعاديتنى قالت أو تعفنى قال لا أعفيك قالت أما إذ أبيت فإنى أحببت عليا على عدله فى الرعية وقسمه بالسوية وأبغضبك على قتال من هو أولى منك بالأمر وطلبتك ما ليس لك بحق وواليت عليا على ما عقد له رسول الله من الولاء وحبه المساكين وإعظامه لأهل الدين وعاديتك على سفكك الدماء وجورك فى القضاء وحكمك بالهى قال فلذلك انتفخ بطنك وعظم ثدياك وربت عجيزتك قالت تنهد والله كان يضرب المثل فى ذلك لا بى قال معاوية يا هذه اربعى فإنا لم نقل إلا خيرا إنه إذا انتفخ بطن المرأة ثم خلق ولدها وإذا عظم ثدياها تروى رضيعها وإذا عظمت عجيزتها رزن مجلسها فرجعت وسكنت قال لها ويا هذه هل رأيت عليا قالت إى والله قال فكيف رأيته قالت رأيته والله لم يفتنه الملك الذى فتنتك ولم تشغله النعمة التى شغلتك قال فهل سمعت كلامه قالت نعم والله فكان يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت صدأ الطست قال صدقت فهل لكم من حاجة قالت أو تفعل إذا سألتك قال نعم قالت تعطينى مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها قال تصنعين بها ماذا قالت أغذو بألبانها الصغار وأستحيى بها الكبار وأكتسب بها المكارم وأصلح بها بين العشائر قال فإن أعطيتك ذلك فهل أحل عندك محل على بن أبي طالب قالت ماء ولا كصداء ومرعى ولا كالسعدان وفتى ولا كمالك يا سبحان الله أو دونه فأنشأ معاوية يقول إذا لم أعد بالحلم منى عليكم فمن ذا الذى بعدى يؤمل للحلم خذيها هنيئا واذكرى فعل ماجد جزاك على حرب العداوة بالسلم ثم قال أما والله لو كان على حبا ما أعطاك منها شيئا قالت لا والله ولا وبرة واحدة من مال المسلمين وفود أم الخير بنت حريش على معاوية عبيد الله بن عمر الغسانى عن الشعبى قال قال كتب معاوية إلى واليه بالكوفة أن يحمل إليه أم الخير بنت الحريش بن سراقة البارقي برحلها وأعلمه أنه مجازيه بالخير خيرا وبالشر شرا بقولها فيه فلما ورد عليه كتابه ركب إيها فأقرأها كتابه فقالت أما أنا فغير زائغة عن طاعة ولا معتلة بكذب ولقد كنت أحب لقاء أمير المؤمنين لأمور تختلج فى صدرى فلما شيعها وأراد مفارقتها قال لها يا أم الخير إن أمير المؤمنين كتب إلى أنه مجازنى بالخير خيرا وبالشر شرا فما لى عندك قالت يا هذا لا يطعمنك برك بى أن أسرك بباطل ولا تؤنسك معرفتى بك أن أقول فيه غير الحق فسارت خير مسير حتى قدمت على معاوية فأنزلها مع الحرم ثم أدخلها فى اليوم الرابع وعنده جلساؤه فقالت السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فقال لها وعليك السلام يا أم الخير بحق ما دعوتنى بهذا الاسم قالت يا أمير المؤمنين مه فإن بديهة السلطان مدحضة لما يحب علمه ولكل أجل كتاب قال صدقت فكيف حالك يا خالة وكيف كنت فى مسيرك قالت لم أزل يا أمير المؤمنين فى خير وعافية حتى صرت إليك فأنا فى مجلس أنيق عند ملك رفيق قال معاوية بحسن نيتى ظفرت بكم قالت يا أمير المؤمنين يعيذك الله من دحض المقال وما تردى عاقبته قال ليس هذا أردنا أخبرينا كيف كان كلامك إذ قتل عمار بن ياسر قالت لم أكن زورته قبل ولا رويته أن أحدث لك مقالا غير ذلك فعلت فالتفت معاوية إلى جلسائه فقال أيكم يحفظ كلامها فقال رجل منهم أنا أحفظ بعض كلامها يا امير المؤمين قال هات قال كأنى بها وعليها برد زبيدى كثيف بين النسيج وهى على جمل ارمك وقد أحيط حولها حواء وبيدها سوط منتشر الضفيرة وهى كالفحل يهدر فى شقشقته تقول يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم إن الله قد أوضح لكم الحق وأبان الدليل وبين السبيل ورفع القلم ولم يدعمكم فى عمياء مدلهمة فأين تريدون رحمكم الله أفرارا عن أمير المؤمنين أم فرارا من الزحف أم رغبة عن الإسلام أم ارتدادا عن الحق أما سمعتم الله جل ثناؤه يقول ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ثم رفعت رأسها إلى السماء وهى تقول اللهم قد عيل الصبر وضعف اليقين وانتشرت الرعبة وبيدك يا رب أزمة القلوت فاجمع اللهم بها الكلمة على التقوى وألف القلوب على الهدى واردد الحق إلى أهله هلموا رحمكم الله إلى الإمام العادل والرضى التقى والصديق الأكبر إنها إحن بدرية وأحقاد جاهلية وضغائن أحدية وثب بها واثب حين الغفلة ليدرك ثارات بنى عبد شمس ثم قالت فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون صبرا يا معشر المهاجرين والأنصار قاتلوا على بصيرة من ربكم وثبات من دينكم فكأنى بكم غدا وقد لقيتم أهل الشام كحمر مستنفرة فرت من قسورة لا تدرى اين يسلك بها من فجاج الأرض باعوا الآخرة بالدنيا واشتروا الضلالة بالهدى وباعوا البصيرة بالعمى وعما قليل ليصبحن نادمين حتى تحل بهم الندامة فيطلبون الإقالة ولات حين مناص إنه من ضل والله عن الحق وقع في الباطل ألا إن أولياء الله استصغروا عمر الدنيا فرفضوها واستطابوا الآخرة فسعوا لها فالله الله أيها الناس قبل أن تبطل الحقوق وتعطل الحدود ويظهر الظالمون وتقوى كلمة الشيطان فإلى أين تريدون رحمكم الله عن ابن عم رسول الله وصهره وأبى سبطية خلق من طينته وتفرع من نبعته وخصه بسره وجعله باب مدينته وأعلم بحبه المسلمين وأبان ببغضه المنافقين ها هو ذا مفلق الهام ومكسر الأصنام صلى والناس مشركون وأطاع والناس كارهون فلم يزل فى ذلك حتى قتل مبارزى بدر وأفنى أهل أحد وهزم الأحزاب وقتل الله به أهل خيبر وفرق به جمع هوازن فيا لها من وقائع زرعت فى قلوب نفاقا وردة وشقاقا وزادت المؤمنين إيمانا وقد اجتهدت فى القول وبالغت فى النصيحة وبالله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله فقال معاوية يا أم الخير ما أردت بهذا الكلام إلا قتلى ولو قتلتك ما حرجت فى ذلك قالت والله ما يسوؤنى أن يجرى قتلى على يدى من يسعدنى الله بشقائه قال هيهات يا كثيرة الفضول ما تقولين فى عثمان ين عفان رحمه الله قالت وما عسيت أن أقول فى عثمان استخلفه الناس وهم به راضون وقتلوه وهم له كارهون قال معاوية يا أم الخير هذا والله أصلك الذى تبنين عليه قالت لكن الله يشهد وكفى بالله شهيدا ما أردت بعثمان نقصا ولكن كان سابقا إلى الخير وإنه لرفيع الدرجة غدا قال فما تقولين فى طلحة بن عبيد الله قالت وما عسى أن أقول فى طلحة اغتيل من مأمنه وأتى من حيث لم يحذر وقد وعده رسول الله الجنة قال فما تقولين فى الزبير قالت وما أقول فى ابن عمة رسول الله وحواريه وقد شهد له رسول الله بالجنة وقد كان سباقا إلى كل مكرمة فى الإسلام وأنا أسألك بحق الله يا معاوية فإن قريشا تحدثت أنك أحلمها أن تسعنى بفضل حلمك وأن تعفينى من هذه المسائل عما شئت من غيرها قال نعم ونعمة عين قد أعفيتك منها ثم أمر لها بجائزة رفيعة وردها مكرمة وفود أروى بنت عبد المطلب على معاوية رحمه الله العباس بن بكار قال حدثنى عبد الله بن سليمان المدنى وأبو بكر الهذلي أن أروى بنت الحارث بن عبد المطلب دخلت على معاوية وهى عجوز كبيرة فلما رآها معاوية قال مرحبا بك وأهلا يا عمة فكيف كنت بعدنا فقالت يا بن أخى لقد كفرت يد النعمة وأسأت لابن عمك الصحبة وتسميت بغير اسمك وأخذت غير حقك من غير دين كان منك ولا من آبائك ولا سابقة فى الإسلام بعد أن كفرتم برسول الله فاتعس الله ممنكم الجدود وأضرع منكم الخدود ورد الحق إلى أهله ولو كره المشركون وكانت كلمتنا هى العليا ونبينا هو المنصور فوليتم علينا من بعده تحتجون بقرابتكم من رسول الله ونحن أقرب إليه منكم وأولى بهذا الامر فكنا فيكم بمنزلة بنى إسرائيل فى آل فرعون وكان على بن أبى طالب رحمه الله بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى فغايتنا الجنة وغايتكم النار فقال لها عمرو بن العاص كفى أيتها العجوز الضالة وأقصرى عن قولك مع ذهاب عقلك إذ لا تجوز شهادتك وحدك فقالت له وأنت يا بن النباغة تتكلم وأمك كانت أشهر امرأة تغنى بمكة وآخذهن لأجرة اربع على طلعك واعن بشأن نفسك فوالله ما أنت من قريش فى اللباب من حسبها ولا كريم منصبا ولقد ادعاك خمسة نفر من قريش كلهم يزعم أنه أبوك فسئلت أمك عنهم فقالت كلهم أتانى فانظروا أشبههم به فألحقوه به فغلب عليك شبه العاص بن وائل فلحقت به قال مروان كفى أيتها العجوز واقصدى لما جئت له فقالت وأنت أيضا يا ابن الزرقاء تتكلم ثم التفتت إلى معاوية فقالت والله ما جرأ على هؤلاء غيرك وإن أمك القائلة فى قتل حمزة نحن جزيناكم بيوم بدر والحرب بعد الحرب ذات سعر ما كان لى عن عتبة من صبر فشكر وحشى على دهرى حتى ترم أعظمى فى قبرى فأجابتها بنت عمى وهى تقول خزيت فى بدر وبعد بدر يا بنة جبار عظيم الكفر فقال معاوية عفا الله عما سلف يا عمة هاتى حاجتك قالت مالى إليكم حاجة وخرجت عنه فى الأمثال السائرة قال ابن عبد ربه ونحن القائلون بعون الله وتوفيقه فى الأمثال التى هى وشى الكلام وجوهر اللفظ وحلى المعانى والتى تخيرتها العرب وقدمتها العجم ونطق بها كل زمان وعلى كل لسان فهى أبقى من الشعر وأشرف من الخطابة لم يسر شيء مسيرها ولا عم عمومها حتى قيل أسير م مثل وقال الشاعر ما أنت إلا مثل سائر يعرفه الجاهل والخابر ولقد ضرب الله عز وجل الأمثال فى كتابه وضربها رسول الله فى كلامه قال الله عز وجل ومثل هذا القرآن كثير ومن أمثال العرب مما روى أبو عبيد جردناها من الآداب التى أدخل فيها أبو عبيد إذ كنا قد أفردنا للأدب والمواعظ كتبنا غير هذا وضممنا إلى أمثلة العرب القديمة ما جرى على ألسنة العامة من الأمثال المستعملة وفسرنا من ذلك ما احتاج إلى التفسير ومن ذلك قولهم يضرب به المثل من النساء يقال أشأم من البسوس وأحمق من دغة وأمنع من أم قرفة وأقود من ظلمة وأبصر من زرقاء اليمامة البسوس جارة جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان ولها كانت الناقة التى قتل من أجلها كليب بن وائل وبها ثارت الحرب بين بكر بن وائل وتغلب التى يقال لها حرب البسوس وأم قرفة امرأة مالك بن حذيفة بن بدر الفزارى وكان يغلق فى بيتها خمسون سيفا كل سيف منها لذى محرم لها ودغة امرأة من عجل بن لجيم تزوجت فى بنى العنبر بن عمرو بن تميم وزرقاء بنت نمير امرأة كانت تبصر الشعرة البيضاء فى اللبن وتنظر الراكب على مسيرة ثلاثة أيام وكانت تنذر قومها الجيوش إذا غزتهم فلا يأتيهم جيش إلا وقد استعدوا له حتى احتال لها بعض من غزاهم فأمر اصحابه فقطعوا شجرا أمسكوه أمامه بأيديهم ونظرت الزرقاء فقالت إنى أرى الشجر قد أقبل إليكم قالوا قد ورق عقلك وذهب بصرك فكذبوها وصبحتهم الخيل وأغارت عليهم وقتلت الزرقاء قال فقوروا عينيها قد غرقت فى الإثمد من كثرة ما كانت تكتحل به وظلمة امرأة من هذيل زنت أربعين عاما فلما عجزت عن الزنا والقود كانت تقود تيسا لينزو على عنز صدق الحديث ومن قولهم القول ما قالت حذام وهى امرأة لجيم بن صعب والد حنيفة وعجل ابنى لجيم وفيها قال إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام سوء المسألة وسوء الإجابة وقالوا حدث امرأة حديثين فإن لم تفهم فأربعة كذا فى لاأصل ولاذى أحفظ فأربع أى أمسك التعريض بالكناية ومنه قولهم إياك أعنى واسمعى يا جارة الدعاء بالخير وقولهم فى النكاح على بدء الخير واليمن وقولهم بالرفاء والبنين يريد بالرفاء الكثرة يقال منه رفأته إذا دعوت له بالكثرة تعيير الإنسان صاحبه بعيبه قالوا رمتنى بدائها وانسلت الذب عن الحرم وقولهم النساء لهم على وضم إلا ذب عنه وقولهم النساء حبائل الشيطان وقولهم كل ذات صدار خالة يريد أنه يحميها كما يحمى خالته تأديب الكبير قال الشاعر وتروض عرسك بعدما هرمت وم العناء رياضة الهرم وقولهم أعييتنى بأشر فكيف بدردر يقول أعييتنى وأ شابه فكيف إذا بدت درادرك وهى مغرز الأسنان إعجاب الرجل بأهله منه قولهم كل فتاة بأبيها معجبة وقولهم القرنبي فى عين أمها حسنة وقولهم زين فى عين والد ولده وقولهم حسن فى كل عين من تود وقولهم من يمدح العروس إلا أهلها العفو عند المقدرة منه قولهم ملكت فأسجح وقد قالته عائشة رضى الله عليها لعلى بن أبى طالب كرم الله وجهه يوم الجمل حين ظهر على الناس فدنا من هودجها وكلمها فأجابته ملكت فأسجح أى ظفرت فأحسن فجهزها بأحسن الجهاز وبعث معها أربعين امرأة وقال بعضهم سبعين حتى قدمت المدينة مفاكهة الرجل أهله منه قولهم كل امرىء فى بيته صبى يريد حسن الخلق والمفاكهة ومنه قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إنا إذا خلونا قلنا ومنه قول النبي خياركم خياركم لأهله ومنه قول معاوية إنهن يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام المروءة مع الحاجة منه قولهم تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها وضع الشيء فى غير موضعه ومنه قولهم كمعلمة أمها الرضاعة البخيل يعتل بالعسر ومنه قولهم قبل النفاس كنت مصفرة طلب الحاجة المتعذرة منه قولهم تسألنى برامتين سلجما وأصله أن امرأة تشهت على زوجها سلجما وهو ببلد قفر فقال هذه المقالة والسلجم اللفت ومنه قولهم إنك إن كلفتنى ما لم أطق ساءك ما سرك منى من خلق المصانعة فى الحاجة من يطلب الحسناء يعط مهرها الظلم من نوعين منه قولهم أغيرة وجبنا قالته امرأة من العرب لزوجها تعيره حين تخلف عن عدوه فى منزله ورآها تنظر إلى القتال فضربها فقالت أغيرة وجبنا الكريم يهضمه اللئيم لو ذات سوار لطمتنى والحمد لله أولا وأخيرا
Page 246