Réflexions : Sur la philosophie, la littérature, la politique et la société
تأملات: في الفلسفة والأدب والسياسة والاجتماع
Genres
وإذا انقطعت آمال الرأي العام من الوزارة في تأييد كلمة الحق والعدل ونشر راية الأمن على رؤوس الأفراد وحماية مصالح الأمة، أو رأي الرأي العام أن عهد الوزارة مملوء بالجرائم على الأعراض والأنفس والأموال، واتسع ميدان الرشوة للحكام وملأهم التغرض والمحسوبية، إذا رأى الرأي العام ذلك، ثقل عليه احتمال الوزارة وصفق لسقوطها تصفيقا.
كليات طبيعية يلزمنا الواجب أن نذكرها، نذكرها على مضض، ولكن الحق أحق أن يقال ويتبع، وإن كان احترام الوزارة والأسف على ما فرطت يأخذ منا كل مأخذ على أن الإدارة في مصر صارت إلى أبعد مما نشير إليه وشكوى الناس في مجالسهم الخصوصية أدهى من ذلك وأمر.
لا يهمنا أن تلي الحكم بعد سقوط الوزارة الحاضرة وزارة زيد أو وزارة عمرو، ولكن الذي يهم البلاد أن تعتقد بالمثل الحسي أن السلطة العليا لا تسمح بالسكوت على تأخير البلاد في حالها الأخلاقي ولا على أن تكون الوزارة كل عملها - كما يقال - اكتشاف وسائل الإصلاح وأن تبقى الوزارة هذه المدة الطويلة دون أن يكون لها مشروع واحد ينسب إليها دون سواها، إلا مشروع المؤامرات أو اكتشاف المؤامرات!
يهمنا أن تأتي وزارة مطلوبة للولاية لا طالبة لها، ذات مركز أعلى من مركز اكتشاف وسائل الإصلاح، وزارة تؤيد حرية الشعب لا تقصص ريشها ولا تطعنها في قلبها، تعمل لمصلحة المحكومين، ذات برنامج معين وخطط معروفة، تأخذها العزة بالاستقالة قبل أن تغلب على أمرها وتعيين الأفراد والمجاميع على استكمال حظوظها من الرقي المدني بهدوء وسكينة فلا ينجم عن أعمالها مؤامرات صادقة أو كاذبة ولا تحتاج في حمايتها إلى قوانين استثنائية تذهب بمظاهر الحرية وتشوه جمال الإصلاح الذي يزاوله المصلحون، وزارة ذات روح عامة مؤتلفة الأجزاء متضامنة الوزراء، لا يسعى أحدهم بالآخر إلى السلطة ولا يصك بعضهم صدره للسلطة، لينفرد بإتيان عمل من وراء الآخرين، وزراء لا يقبل أحدهم الوزارة إلا بعد التدبر والحساب، وبعد أن يعرف شركاءه في المسئولية ويرضى بهم، فإن الوزير هو ذلك الذي يعرف أن يقيس قواه لحمل أعباء الأمة على كاهله لا الذي سرعان ما يجري الطمع المتواضع إلى أن يقدر ما يربحه في المنصب.
إلا أن الوزارة غرم لا غنم، إنها مفقدة الصديق ومضرب العدو وكد الضمير وخسارة الاسم، فمن قبل الوزارة لمال يكسبه فما أقل حسابه! أو لجاه يحصله فقد فات زمن الجاه، ومن قبل الوزارة وأعد لها عدتها من الكفاءة والاستقلال لمجد مخلد في خدمة أوطانه، فذلك وحده هو الوزير ضحى ماله ووقته وحريته ولذته لمنفعة قومه وبلاده.
على أننا من جهة أخرى يعز علينا أن وزارة سعيد باشا التي استقبلناها بقليل من التفاؤل وكثير من الجاذبية، لم تنجح في أداء وظيفتها فلم توفق إلى إرضاء مصلحة البلاد ولا إلى إرضاء الأمة ولا السلطة التي نصبتها، نأسف لذلك لأن الوزارة مؤلفة من أبناء مصر وليس فشلهم في السياسة يشرفنا كثيرا، ونحن أمة ناهضة كل مثل من أمثلة الفشل يتخذ حجة علينا لا حجة لنا، فلسنا من هذه الجهة كغيرنا من الأمم الراقية التي تعد من يصلح فيها للوزارة بالمئين لا بالعشرات، نأسف لذلك ويرضينا أن نودع الوزارة الحاضرة لنستقبل الوزارة الآتية بالآمال الكبار، فإن كانت الوزارة الفهمية فأهلا وسهلا وحبا وكرامة، فإن ذلك الشيخ المحترم يكاد يكون في مصر الرجل الوحيد الذي لا فائدة له من الوزارة، فلا يكون قبوله لها إلا لمحض نفع البلاد، ولقد أظهر مصطفى فهمي باشا في المفاوضات على ما يتغافله الثقات من رفعة الأخلاق وعلو المكانة ما يجعل الأمة تستبشر خيرا بوزارته وما يجعل السلطة ترى نهائيا أنه هو الرجل الأول اللازم للحالة الحاضرة، والقادر بنفوذه الأدبي على إصلاح ما فسد من أحوال البلاد.
تأبين أحمد فتحي زغلول باشا1
أيها السادة:
إن أحمد فتحي باشا زغلول هو أصغر أنجال المرحوم الشيخ إبراهيم زغلول من أعيان إبيانه، ولد في تلك القرية في 4 ربيع الأول سنة 1279ه، مات أبوه رحمه الله إذ كان رضيعا، وكان شقيقه سعد زغلول فطيما، خلفهما أبوهما في حضانة والدتهما التي هي إحدى عقائل عائلة بركات الشهيرة بالغربية، وكانت وقت وفاة زوجها لا يتجاوز عمرها العشرين، فقامت على ولديها ووقفت نفسها على تربيتهما تحت إشراف أخيهما الكبير لأبيها المرحوم الشناوي أفندي زغلول الذي عني بتعليمهما على أحسن ما تعلم به أبناء الأعيان.
تعلم فتح الله الصغير في كتاب البلد، ثم في مدرسة رشيد، ثم المدرسة التجهيزية، ثم في مدرسة الألسن، فاتفق أن زارها المرحوم أحمد خيري باشا ناظر المعارف العمومية، فأعجب بذكاء الشاب فتح الله صبري وأعطاه اسم أحمد، ونحت من «فتح الله» فتحي، وأصدر أمرا رسميا إلى المدرسة بتسميته أحمد فتحي وبأن يرد إليه ما دفع من المصاريف وباعتباره طالبا مجانيا، فلما كانت 1884م أرسلته نظارة المعارف إلى فرنسا لدرس الحقوق فحصل على شهادة الليسانس ورجع سنة 1887م. وظف بقلم قضايا الحكومة، ثم رئيسا لنيابة أسيوط، ثم رئيسا لنيابة إسكندرية، ثم مفتشا بلجنة المراقبة، فرئيسا لمحكمة الزقازيق، ثم رئيسا لمحكمة مصر، ثم وكيلا لنظارة الحقانية، وظيفته الأخيرة التي مات وهو قائم بها.
Page inconnue